لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٩٢) عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ (٩٣) فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (٩٤) إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ (٩٥))
(كَما أَنْزَلْنا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ) (٩٠) قال الفراء : مجازه أنذركم (١) عذابا كعذاب المقتسمين ، حكي عن ابن عباس أنه قال : هم اليهود والنصارى.
(الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ) (٩١) ، جزّءوه فجعلوه أعضاء فآمنوا ببعضه وكفروا ببعضه. وقال مجاهد : هم اليهود والنصارى قسموا كتابهم ففرقوه وبددوه (٢). وقيل : المقتسمين : قوم اقتسموا القرآن ، فقال بعضهم : سحر. وقال بعضهم : شعر ، وقال بعضهم : كذب. وقال بعضهم : أساطير الأولين.
وقيل : الاقتسام هو أنهم فرقوا القول في رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقالوا : ساحر كاهن شاعر ، وقال مقاتل : كانوا ستة عشر رجلا بعثهم الوليد بن المغيرة أيام الموسم فاقتسموا أعقاب (٣) مكة وأطرافها (٤) وقعدوا على أنقابها (٥) يقولون لمن جاء من الحجاج : لا تغتروا بهذا الرجل الخارج الذي يدعي النبوة منّا ، وتقول طائفة منهم : إنه مجنون وطائفة إنه كاهن وطائفة إنه شاعر والوليد قاعد على باب المسجد نصبوه حكما فإذا سئل عنه قال : صدق أولئك يعني المقتسمين. وقوله : (عِضِينَ) قيل : هو جمع عضو مأخوذ من قولهم عضّيت الشيء تعضية ، إذا فرقته ومعناه أنهم جعلوا القرآن أعضاء ، فقال بعضهم : سحر. وقال بعضهم : كهانة. وقال بعضهم : أساطير الأولين. وقيل : هو جمع عضة. [يقال : عضة](٦) وعضين مثل برة وبرين وعزة وعزين وأصلها عضهة ذهبت هاؤها الأصلية كما نقصوا من الشفة وأصلها شفهة بدليل أنك تقول في التصغير شفيهة والمراد بالعضة الكذب والبهتان. وقيل : المراد بالعضين العضه (٧) وهو السحر يريد أنهم سموا القرآن سحرا.
(فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) (٩٢) ، يوم القيامة.
(عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ) (٩٣) في الدنيا ، قال محمد بن إسماعيل : قال عدة من أهل العلم : عن (٨) لا إله إلا الله. فإن قيل : كيف الجمع بين هذه الآية وبين قوله تعالى : (فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌ) (٣٩) [الرحمن : ٣٩] ، قال ابن عباس : لا يسألهم هل عملتم لأنه أعلم بهم منهم ولكن يقول : لم عملتم كذا وكذا؟ واعتمده قطرب فقال : السؤال ضربان سؤال استعلام وسؤال توبيخ ، فقوله تعالى : (فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌ) (٣٩) [الرحمن : ٣٩] ، يعني : استعلاما. وقوله : (لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) يعني : توبيخا وتقريعا. وقال عكرمة عن ابن عباس في الآيتين : إن يوم القيامة يوم طويل فيه مواقف مختلفة يسألون في بعض المواقف ولا يسألون في بعضها ، نظير ذلك قوله تعالى : (هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ) (٣٥) [المرسلات : ٣٥] ، وقال في آية أخرى : (ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ) (٣١) [الزمر : ٣١].
قوله تعالى : (فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ) ، قال ابن عباس : أظهره. ويروى عنه : أمضه. وقال الضحاك : أعلم. وقال الأخفش : افرق ، أي : افرق بالقرآن بين الحق والباطل. وقال سيبويه : اقض بما تؤمر ، وأصل الصدع الفصل والفرق ، أمر النبي صلىاللهعليهوسلم في هذه الآية بإظهار الدعوة. وروي عن عبد الله بن عبيدة
__________________
(١) في المخطوط «أنذرتكم».
(٢) في المطبوع و ـ ط «وبدلوه».
(٣) في المطبوع و ـ ط «عقاب».
(٤) في المطبوع «وطرفها».
(٥) في المطبوع «نقابها».
(٦) زيد في المطبوع.
(٧) تصحف في المطبوع «العضة».
(٨) زيد في المطبوع «قوله».