(لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) ، قرأ عاصم : «أسوة» حيث كانت بضم الهمزة والباقون بكسرها ، وهما لغتان ، أي قدوة صالحة ، وهي فعلة من الائتساء ، كالقدوة من الاقتداء اسم وضع موضع المصدر ، أي به اقتداء حسن إن تنصروا دين الله وتوازروا الرسول ولا تتخلفوا عنه ، وتصبروا على ما يصيبكم كما فعل هو إذ كسرت رباعيته وجرح وجهه ، وقتل عمّه وأوذي بضروب من الأذى فواساكم مع ذلك بنفسه ، فافعلوا أنتم كذلك أيضا واستنّوا بسنته ، (لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ) ، بدل من قوله لكم وهو تخصيص بعد تعميم للمؤمنين ، يعني أن الأسوة برسول الله صلىاللهعليهوسلم لمن كان يرجو الله ، قال ابن عباس : يرجو ثواب الله. وقال مقاتل (١) : يخشى الله ، (وَالْيَوْمَ الْآخِرَ) ، أي يخشى يوم البعث الذي فيه جزاء الأعمال ، (وَذَكَرَ اللهَ كَثِيراً) في جميع المواطن على السراء والضراء ، ثم وصف حال المؤمنين عند لقاء الأحزاب فقال :
(وَلَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ قالُوا) ، تسليما لأمر الله وتصديقا لوعده ، (هذا ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ) وعد الله إيّاهم ما ذكر في سورة البقرة [٢١٤] : (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ) ، إلى قوله : (أَلا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ) ، فالآية تتضمن أن المؤمنين يلحقهم مثل ذلك البلاء ، فلما رأوا الأحزاب وما أصابهم من الشدة قالوا : هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله ، (وَما زادَهُمْ إِلَّا إِيماناً وَتَسْلِيماً) ، [أي تصديقا لله وتسليما لأمر الله](٢). قوله عزوجل :
(مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ) ، أي قاموا بما عاهدوا الله عليه ووفوا به ، (فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ) ، أي فرغ من نذره ووفّى بعهده فصبر على الجهاد حتى استشهد ، والنحب : النذر ، والنحب : الموت أيضا ، قال مقاتل : قضى نحبه يعني أجله فقتل على الوفاء يعني حمزة وأصحابه. وقيل : قضى نحبه أي بذل جهده في الوفاء بالعهد من قول العرب : نحب فلان في سيره يومه وليله أجمع إذا مدّ فلم ينزل ، (وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ) [يعني](٣) الشهادة.
وقال محمد بن إسحاق : فمنهم من قضى نحبه من استشهد يوم بدر وأحد ومنهم من ينتظر يعني من بقي بعد هؤلاء من المؤمنين ينتظرون أحد الأمرين إمّا الشهادة أو النصر ، (وَما بَدَّلُوا) ، عهدهم (تَبْدِيلاً).
[١٦٩١] أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا محمد بن سعيد الخزاعي أنا عبد الأعلى عن حميد قال : سألت أنسا :
__________________
[١٦٩١] ـ إسناده صحيح على شرط البخاري.
ـ عبد الأعلى هو ابن عبد الأعلى ، حميد هو الطويل ، زياد هو ابن عبد الله البكّائي.
ـ وهو في «صحيح البخاري» ٢٨٠٥ عن محمد بن سعيد الخزاعي بهذا الإسناد.
ـ وأخرجه البخاري ٤٠٤٨ و ٤٧٨٣ والترمذي ٣٢٠١ والنسائي في «التفسير» ٤٢٣ وعبد بن حميد في «المنتخب» ١٣٩٦ والواحدي في «الوسيط» ٣ / ٤٦٥ والطبري ٢٨٢٨ من طرق عن حميد به.
ـ وأخرجه مسلم ١٩٠٣ والترمذي ٣٢٠٠ والنسائي في «التفسير» ٤٢٢ والواحدي في «الأسباب» ٦٩٢ من طرق عن ثابت به.
(١) تصحف في المطبوع «مقال».
(٢) سقط من المخطوط.
(٣) زيادة من المخطوط.