(وَلَقَدْ كانُوا عاهَدُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الْأَدْبارَ وَكانَ عَهْدُ اللهِ مَسْؤُلاً (١٥) قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذاً لا تُمَتَّعُونَ إِلاَّ قَلِيلاً (١٦) قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللهِ إِنْ أَرادَ بِكُمْ سُوءاً أَوْ أَرادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (١٧) قَدْ يَعْلَمُ اللهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقائِلِينَ لِإِخْوانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنا وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلاَّ قَلِيلاً (١٨))
(وَلَقَدْ كانُوا عاهَدُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ) ، أي من قبل غزوة الخندق ، (لا يُوَلُّونَ الْأَدْبارَ) ، من عدوهم أي لا ينهزمون.
قال يزيد بن رومان : هم بنو حارثة هموا يوم أحد أن يفشلوا مع بني سلمة ، فلما نزل فيهم ما نزل عاهدوا الله أن لا يعودوا لمثلها. وقال قتادة : هم ناس كانوا قد غابوا عن وقعة بدر ورأوا ما أعطى الله أهل بدر من الكرامة والفضيلة ، قالوا لئن أشهدنا الله قتالا لنقاتلنّ فساق الله إليهم ذلك.
[١٦٩٠] وقال مقاتل والكلبي : هم سبعون رجلا بايعوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم ليلة العقبة ، وقالوا : اشترط لربك ولنفسك ما شئت ، فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «أشترط لربي أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا ، وأشترط لنفسي أن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأولادكم» قالوا : فإذا فعلنا فما لنا يا رسول الله؟ قال : «لكم النصر في الدنيا والجنة في الآخرة» ، قالوا : قد فعلنا ذلك فذلك عهدهم.
وهذا القول ليس بمرضي لأن الذين بايعوا محمدا صلىاللهعليهوسلم ليلة العقبة كانوا سبعين نفرا لم يكن فيهم شاك ولا من يقول مثل هذا القول ، وإنما الآية في قوم عاهدوا الله أن يقاتلوا ولا يفروا فنقضوا العهد ، (وَكانَ عَهْدُ اللهِ مَسْؤُلاً) ، أي مسئولا عنه.
(قُلْ) ، لهم (لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ) ، الذي كتب عليكم لأن من حضر أجله مات أو قتل ، (وَإِذاً لا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلاً) ، أي لا تمتعون بعد هذا الفرار إلا مدة آجالكم وهي قليل.
(قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللهِ) ، أي يمنعكم من عذابه ، (إِنْ أَرادَ بِكُمْ سُوءاً) ، هزيمة ، (أَوْ أَرادَ بِكُمْ رَحْمَةً) ، نصرة ، (وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا) ، أي قريبا ينفعهم ، (وَلا نَصِيراً) ، أي ناصرا يمنعهم.
(قَدْ يَعْلَمُ اللهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ) ، أي المثبطين للناس عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم (وَالْقائِلِينَ لِإِخْوانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنا) ، أي ارجعوا إلينا ودعوا محمدا فلا تشهدوا معه الحرب فإنا نخاف عليكم الهلاك ، قال قتادة : هؤلاء ناس من المنافقين كانوا يثبطون أنصار النبي صلىاللهعليهوسلم ويقولون لإخوانهم ما محمد وأصحابه إلّا أكلة رأس ولو كانوا لحما لالتهمهم أي ابتلعهم أبو سفيان وأصحابه دعوا الرجل فإنه هالك ، وقال مقاتل (١) : نزلت في المنافقين وذلك أن اليهود أرسلت إلى المنافقين وقالوا ما الذي يحملكم على قتل أنفسكم بيد أبي سفيان ومن معه ، فإنهم إن قدروا عليكم في هذه المرّة لم يستبقوا منكم أحدا وإنّا نشفق عليكم أنتم إخواننا وجيراننا
__________________
[١٦٩٠] ـ ذكره المصنف هاهنا عن مقاتل والكلبي تعليقا وسنده إليهما في أول الكتاب ، والكلبي وهو محمد بن السائب متروك متهم ، ومقاتل إن كان ابن سليمان ، فهو كذاب ، وإن كان ابن حبان ، فقد روى مناكير كثيرة ، والمتن بهذا السياق ونزول الآية باطل ، والمشهور أن أصحاب بيعة العقبة استقاموا على الإسلام.
(١) في المخطوط «قتادة».