(وَمَنْ كَفَرَ فَلا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) (٢٣).
(نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلاً) ، أي : نمهلهم ليتمتعوا بنعيم الدنيا قليلا إلى انقضاء آجالهم ، (ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ) ، ثم نلجئهم ونردهم في الآخرة ، (إِلى عَذابٍ غَلِيظٍ) ، وهو عذاب النار.
(وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ) (٢٥).
(لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) (٢٦). قوله سبحانه وتعالى :
(وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ) الآية.
[١٦٥٣] قال المفسرون : نزلت بمكة ، قوله سبحانه وتعالى : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ) إلى قوله : (وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً) [الإسراء : ٨٥] فلما هاجر رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى المدينة أتاه أحبار اليهود فقالوا : يا محمد بلغنا عنك أنك تقول وما أوتيتم من العلم إلّا قليلا أفعنيتنا أم قومك؟ فقال عليه الصلاة والسلام : لّا قد عنيت ، قالوا : ألست تتلو فيما جاءك أنا أوتينا التوراة وفيها علم كل شيء؟ فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «هي في علم الله قليل وقد آتاكم الله ما إن عملتم به انتفعتم» ، قالوا : يا محمد كيف تزعمه هذا ، وأنت تقول : (وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً) [البقرة : ٢٦٩] فكيف يجتمع (١) هذا ، علم قليل وخير كثير؟ فأنزل [الله] هذه الآية. وقال قتادة : إن المشركين قالوا : إن القرآن وما يأتي به محمد يوشك أن ينفد فينقطع ، فنزلت.
(وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ) أي بريت أقلاما ، (وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ) ، قرأ أبو عمرو ويعقوب : «والبحر» بالنصب عطفا على «ما» ، والباقون بالرفع على الاستئناف (يَمُدُّهُ) أي يزيده ، وينصب فيه (مِنْ بَعْدِهِ) من خلفه ، (سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللهِ) ، وفي الآية اختصار تقديره : ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر يكتب بها كلام الله ما نفدت كلمات الله. (إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) ، وهذه الآية على قول عطاء بن يسار مدنية وعلى قول غيره مكية. وقالوا : إنما أمر اليهود وفد قريش أن يسألوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ويقولوا له ذلك وهو بعد بمكة والله أعلم.
(ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسٍ واحِدَةٍ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (٢٨) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى وَأَنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (٢٩) ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْباطِلُ وَأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (٣٠) أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آياتِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (٣١) وَإِذا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلاَّ كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ (٣٢))
(ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ) ، أي [إلّا](٢) كخلق نفس واحدة وبعثها لا يتعذر عليه شيء ، (إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ).
__________________
[١٦٥٣] ـ أخرجه الطبري ٢٨١٤٨ بنحوه بسند فيه مجهول عن ابن عباس ٢٨٤٩ بنحوه عن عكرمة مرسلا و ٢٨١٥٠ عن عطاء بن يسار مرسلا أيضا ،
فلعل هذه الروايات تتأيد بمجموعها ، والله أعلم.
(١) في المخطوط «تجمع».
(٢) زيادة عن المخطوط.