قال خالد الربعي (١) : كان لقمان عبدا حبشيا فدفع مولاه إليه شاة وقال : اذبحها وائتني بأطيب مضغتين منها ، فأتاه باللسان والقلب ، ثم دفع إليه شاة أخرى ، وقال : اذبحها وائتني بأخبث مضغتين منها فأتاه باللسان والقلب ، فسأله مولاه [عن ذلك](٢) ، فقال : ليس شيء أطيب منهما إذا طابا ولا أخبث منهما إذا خبثا.
قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ) ، أتم وأكمل ، (نِعَمَهُ) قرأ أهل المدينة وأبو عمرو وحفص «نعمه» بفتح العين وضم الهاء على الجمع ، وقرأ الآخرون منونة على الواحد ومعناه الجمع أيضا كقوله : (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لا تُحْصُوها) [إبراهيم : ٣٤] ، (ظاهِرَةً وَباطِنَةً) ، قال عكرمة عن ابن عباس : النعمة الظاهرة الإسلام والقرآن والباطنة ما ستر عليك من الذنوب ولم يعجل عليك بالنقمة. وقال الضحاك : الظاهرة حسن الصورة وتسوية الأعضاء والباطنة المعرفة. وقال مقاتل : الظاهرة تسوية الخلق والرزق والإسلام ، والباطنة [ما ستر من الذنوب](٣) ، وقال الربيع : الظاهرة الجوارح والباطنة القلب ، وقيل الظاهرة الإقرار باللسان والباطنة الاعتقاد بالقلب. وقيل : الظاهرة تمام الرزق والباطنة حسن الخلق. وقال عطاء : الظاهرة تخفيف الشرائع والباطنة الشفاعة. وقال مجاهد : الظاهرة ظهور الإسلام والنصر على الأعداء والباطنة الإمداد بالملائكة. وقيل : الظاهرة الإمداد بالملائكة والباطنة إلقاء الرعب في قلوب الكفار. وقال سهل بن عبد الله : الظاهرة اتباع الرسول والباطنة محبته. (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ) ، نزلت في النضر بن الحارث وأبيّ بن خلف وأمية بن خلف ، وأشباههم كانوا يجادلون النبي صلىاللهعليهوسلم في الله وفي صفاته بغير علم ، (وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ).
(وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللهُ قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَوَلَوْ كانَ الشَّيْطانُ يَدْعُوهُمْ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ (٢١) وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى وَإِلَى اللهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ (٢٢) وَمَنْ كَفَرَ فَلا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٢٣) نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلاً ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلى عَذابٍ غَلِيظٍ (٢٤) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٢٥) لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (٢٦) وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٢٧))
(وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللهُ قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا) ، قال الله عزوجل : (أَوَلَوْ كانَ الشَّيْطانُ يَدْعُوهُمْ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ) ، وجواب لو محذوف ومجازه يدعوهم فيتبعونه ، يعني يتبعون الشيطان وإن كان الشيطان يدعوهم إلى عذاب السعير.
قوله تعالى : (وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللهِ) ، أي لله يعني يخلص دينه لله ويفوّض أمره إلى الله ، (وَهُوَ مُحْسِنٌ) ، في عمله ، (فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى) ، أي اعتصم بالعهد الأوثق الذي لا يخاف انقطاعه ، (وَإِلَى اللهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ).
__________________
(١) تصحف في المطبوع «الربيعي».
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) العبارة في المطبوع «الإيمان» والمثبت عن المخطوط ، ويدل عليه عبارة «الوسيط» ٣ / ٤٤٥.