قال السدي : خلق الله الأرض على حوت وهو النون (١) الذي ذكر الله عزوجل في القرآن (ن وَالْقَلَمِ) [القلم : ١] والحوت في الماء والماء على ظهر صفاة والصفاة على ظهر ملك والملك على صخرة وهي الصخرة التي ذكرها لقمان ليست في السماء ولا في الأرض ، والصخرة على الريح. (أَوْ فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللهُ إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ) ، باستخراجها ، (خَبِيرٌ) ، عالم بمكانها ، قال الحسن : معنى الآية هي الإحاطة بالأشياء صغيرها وكبيرها وفي بعض الكتب إن هذه الكلمة آخر كلمة تكلم بها لقمان فانشقت مرارته من هيبتها فمات رحمهالله.
(يا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ) ، يعني من الأذى ، (إِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) ، يريد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصبر على الأذى فيهما من الأمور الواجبة التي أمر الله بها وهي (٢) من الأمور التي يعزم عليها لوجوبها.
(وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ) ، قرأ ابن كثير وابن عامر وعاصم وهو أبو جعفر ويعقوب : «ولا تصعر» بتشديد العين من غير ألف وقرأ الآخرون «تصاعر» بالألف يقال صعر وجهه وصاعر إذا مال وأعرض تكبرا ورجل أصعر أي مائل العنق. قال ابن عباس : يقول لا تتكبر فتحقّر الناس وتعرض عنهم بوجهك إذا كلموك. وقال مجاهد : هو الرجل يكون بينك وبينه إحنة فتلقاه فيعرض عنك بوجهه. وقال عكرمة : هو الذي إذا سلّم عليه لوى عنقه تكبرا. وقال الربيع بن أنس وقتادة : لا تحتقرن الفقراء ليكن الفقر والغنى عندك سواء ، (وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً) ، خيلاء تكبرا ، (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ) ، في مشيه (فَخُورٍ) ، على الناس.
(وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (١٩) أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ (٢٠))
(وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ) ، أي ليكن مشيك قصدا لا تخيلا ولا إسراعا. وقال عطاء : امش بالوقار والسكينة ، كقوله : (يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً) [الفرقان : ٦٣] ، (وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ) ، وقال مقاتل : اخفض صوتك ، (إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ) ، أقبح الأصوات ، (لَصَوْتُ الْحَمِيرِ) ، أوله زفير وآخره شهيق ، وهما صوتا أهل النار.
وقال موسى بن أعين : سمعت سفيان الثوري يقول في قوله : (إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ) ، قال : صياح كل شيء تسبيح لله إلا الحمار. وقال جعفر الصادق في قوله : (إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ) قال : هي العطسة القبيحة المنكرة. قال وهب : تكلم لقمان باثني عشر ألف باب من الحكمة أدخلها الناس في كلامهم وقضاياهم و [من](٣) حكمه :
__________________
(١) هذه آثار مصدرها كتب الأقدمين.
(٢) في المطبوع «أو».
(٣) زيادة عن المخطوط.