فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «سيد الشهداء مهجع» (١) ، وهو أول من يدعى إلى باب الجنة من هذه الأمة ، فجزع أبواه وامرأته فأنزل الله فيهم هذه الآية.
وقيل : (وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ) ، بالأوامر ، والنواهي ، وذلك أن الله تعالى أمرهم في الابتداء بمجرد الإيمان ثم فرض عليهم الصلاة والزكاة وسائر الشرائع فشق على بعضهم ، فأنزل الله هذه الآية ، ثم عزّاهم فقال :
(وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) ، يعني الأنبياء والمؤمنين فمنهم من نشر بالمنشار ومنهم منقتل ، وابتلي بنو إسرائيل بفرعون فكان يسومهم سوء العذاب ، (فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا) ، في قولهم آمنا ، (وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ) ، والله عالم بهم قبل الاختبار ، ومعنى الآية : وليظهرنّ الله الصادقين من الكاذبين حتى يوجد معلومه [الذي في أزله](٢) ، وقال مقاتل : فليرينّ الله. وقيل : ليميّز الله كقوله : (لِيَمِيزَ اللهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ) [الأنفال : ٣٧].
(أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ) ، يعني الشرك ، (أَنْ يَسْبِقُونا) ، يعجزونا ويفوتونا فلا نقدر على الانتقام منهم ، (ساءَ ما يَحْكُمُونَ) ، أي بئس ما حكموا حين ظنوا ذلك.
(مَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ اللهِ) ، قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ، ومقاتل : من كان يخشى البعث والحساب ، والرجاء بمعنى الخوف ، وقال سعيد بن جبير رضي الله عنه : من كان يطمع في ثواب الله ، (فَإِنَّ أَجَلَ اللهِ لَآتٍ) ، يعني ما وعد الله من الثواب والعقاب. وقال مقاتل : يعني يوم القيامة لكائن.
ومعنى الآية أن من يخشى الله أو يأمله فليستعد له وليعمل لذلك اليوم ، كما قال : (فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً) [الكهف : ١١٠] الآية ، (وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ).
(وَمَنْ جاهَدَ فَإِنَّما يُجاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ (٦) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ (٧) وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً وَإِنْ جاهَداكَ لِتُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٨))
(وَمَنْ جاهَدَ فَإِنَّما يُجاهِدُ لِنَفْسِهِ) ، له ثوابه ، والجهاد هو الصبر على الشدة ويكون ذلك في الحرب وقد يكون على مخالفة النفس. (إِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ) ، عن أعمالهم وعباداتهم.
(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ) ، لنبطلنّها ، يعني حتى تصير بمنزلة ما لم يفعل ، فالتكفر إذهاب السيئة بالحسنة ، (وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ) ، أي بأحسن أعمالهم وهو الطاعة ، وقيل : نعطيهم أكثر مما عملوا وأحسن ، كما قال : (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها) [الأنعام : ١٦٠].
قوله عزوجل : (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً) أي برأ بهما وعطفا عليهما ، ووصينا الإنسان أن يفعل بوالديه ما يحسن.
__________________
(١) زيد في المطبوع وحده «بن عبد الله».
(٢) زيادة عن المخطوط.