التابوت ، وكرهت الكذب ، قال ولم تقل أخشى عليه كيد فرعون ، فلما اشترت التابوت وحملته وانطلقت به انطلق النجار إلى الذباحين ليخبرهم بأمر أم موسى فلما هم بالكلام أمسك الله لسانه فلم يطق (١) الكلام ، وجعل يشير بيده فلم يدر الأمناء ما يقول ، فلما أعياهم أمره قال كبيرهم : اضربوه فضربوه وأخرجوه ، فلما انتهى النجار إلى موضعه رد الله عليه لسانه فتكلم ، فانطلق أيضا يريد الأمناء فلما هم (٢) ليخبرهم فأخذ الله لسانه وبصره فلم يطق الكلام ولم يبصر شيئا ، فضربوه وأخرجوه فوقع في واد يهوي فيه حيران ، فجعل الله عليه وإن رد لسانه وبصره أن لا يدل عليه وأن يكون معه يحفظه حيث ما كان ، فعرف الله منه الصدق فردّ عليه لسانه وبصره فخر لله ساجدا ، فقال : يا رب دلني على هذا العبد الصالح فدله الله عليه فخرج (٣) من الوادي فآمن به وصدقه ، وعلم أن ذلك من الله عزوجل.
وقال وهب بن منبه : لما حملت أم موسى بموسى كتمت أمرها [عن](٤) جميع الناس فلم يطلع على حبلها أحد من خلق الله وذلك شيء ستره الله لما أراد أن يمن به على بني إسرائيل ، فلما كانت السنة التي ولد فيها بعث فرعون القوابل وتقدم إليهن يفتشن النساء تفتيشا لم يفتشن قبل ذلك مثله ، وحملت أم موسى فلم ينتأ بطنها ولم يتغير لونها ولم يظهر لبنها ، فكانت القوابل لا يتعرضن لها فلما كانت الليلة التي ولد فيها ولدته ولا رقيب عليها ولا قابلة ، ولم يطلع عليها أحد إلا أخته مريم ، فأوحى الله إليها أن أرضعيه فإذا خفت عليه [فألقيه في اليم](٥) الآية ، فمكثت (٦) أمه ثلاثة أشهر ترضعه في حجرها لا يبكي ولا يتحرك ، فلما خافت عليه عملت تابوتا له مطبقا ثم ألقته في البحر ليلا.
قال ابن عباس وغيره : وكان لفرعون يومئذ بنت لم يكن له ولد غيرها وكانت من أكرم الناس عليه ، وكان لها كل يوم ثلاث حاجات ترفعها إلى فرعون وكان بها برص شديد ، وكان فرعون قد جمع لها أطباء مصر والسحرة فنظروا في أمرها فقالوا [له](٧) : أيها الملك لا تبرأ إلا من قبل البحر يوجد فيه شبه الإنسان فيؤخذ من ريقه فيلطخ به برصها فتبرأ من ذلك ، وذلك في يوم كذا وساعة كذا حين تشرق الشمس ، فلما كان يوم الاثنين ، غدا فرعون إلى مجلس كان على شفير النيل ومعه امرأته آسية بنت مزاحم ، وأقبلت ابنة فرعون في جواريها حتى جلست على شاطئ النيل مع جواريها تلاعبهن وتنضح الماء على وجوههن ، إذ أقبل النيل بالتابوت تضربه الأمواج فقال فرعون إن هذا الشيء في البحر قد تعلق بالشجرة ايتوني به ، فابتدروه بالسفن من كل جانب حتى وضعوه بين يديه ، فعالجوا فتح الباب فلم يقدروا عليه وعالجوا كسره فلم يقدروا عليه ، فدنت منه آسية فرأت في جوف التابوت نورا لم يره غيرها فعالجته ففتحت الباب فإذا هي بصبي صغير في مهده ، وإذا نور بين عينيه وقد جعل الله رزقه في إبهامه يمصه لبنا فألقى الله لموسى المحبة في قلب آسية وأحبه فرعون وعطف عليه ، وأقبلت بنت فرعون فلما [أخرجوه](٨) من التابوت عمدت بنت فرعون إلى مكان يسيل من ريقه فلطخت به برصها فبرأت فقبلته وضمته إلى صدرها فقال الغواة من قوم فرعون : أيها الملك إنا نظن أن ذلك المولود الذي تحذر منه [من](٩) بني
__________________
(١) في المطبوع «ينطق».
(٢) في المطبوع «فأتاهم».
(٣) في المطبوع «فخر».
(٤) سقط من المطبوع.
(٥) زيادة عن المخطوط.
(٦) في المطبوع «فكتمته».
(٧) زيادة عن المخطوط.
(٨) في المطبوع «أخرجوا الصبي».
(٩) سقط من المطبوع.