الخير يقتدى بهم. وقال قتادة [ولاة](١) ملوكا دليله قوله عزوجل : (وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً) [المائدة : ٢٠] ، وقال مجاهد : دعاء إلى الخير. (وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ) ، يعني أملاك فرعون وقومه يخلفونهم في مساكنهم.
(وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ) ، أوطّن لهم في أرض مصر والشام ، ونجعلها لهم مكانا يستقرون فيه ، (وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ) ، قرأ الأعمش وحمزة والكسائي «يرى» بالياء وفتحها ، (فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما) ، مرفوعات على أن الفعل لهم ، وقرأ الآخرون بالنون وضمها وكسر الراء ونصب الياء ونصب ما بعده بوقوع (٢) الفعل عليه ، (مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ) ، والحذر هو التوقي من الضرر ، وذلك أنهم أخبروا أن هلاكهم على يد رجل من بني إسرائيل فكانوا على على وجل منه ، فأراهم الله ما كانوا يحذرون.
(وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى) ، وهو وحي إلهام لا وحي نبوة ، قال قتادة : قذفنا في قلبها ، وأم موسى يوحانذ بنت لاوى بن يعقوب ، (أَنْ أَرْضِعِيهِ) ، واختلفوا في مدة الرضاع ، قيل : ثمانية أشهر. وقيل : أربعة أشهر. وقيل : ثلاثة أشهر كانت ترضعه في حجرها ، وهو لا يبكي ولا يتحرك ، (فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ) ، يعني من الذبح ، (فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِ) ، واليم البحر وأراد هاهنا النيل ، (وَلا تَخافِي) ، قيل : لا تخافي عليه من الغرق ، وقيل : من الضيعة ، (وَلا تَحْزَنِي) ، على فراقه ، (إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ).
روى عطاء و (٣) الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : إن بني إسرائيل لما كثروا بمصر استطالوا على الناس وعملوا بالمعاصي ولم يأمروا بالمعروف ولم ينهوا عن المنكر فسلط الله عليهم القبط فاستضعفوهم إلى أن أنجاهم الله على يد نبيه.
وقال ابن عباس رضي الله عنهما : إن أم موسى لما تقاربت ولادتها وكانت قابلة من القوابل التي وكلهن فرعون بحبالى بني إسرائيل مصافية لأم موسى ، فلما حزبها الطلق أرسلت إليها فقالت قد نزل بي ما نزل فلينفعني حبك إيّاي اليوم ، قالت : فالجت قبالتها فلما أن وقع موسى بالأرض هالها نور بين عيني موسى. فارتعش كل مفصل منها ودخل حب موسى قلبها. ثم قالت لها : يا هذه ما جئت إليك حين دعوتيني إلا ومرادي قتل مولودك ، ولكن وجدت لابنك هذا حبا ما وجدت حب شيء مثل حبه ، فاحفظي ابنك فإني أراه عدونا ، فلما خرجت القابلة من عندها أبصرها بعض العيون فجاءوا إلى بابها ليدخلوا على أم موسى فقالت أخته يا أماه هذا الحرس بالباب فلفت موسى في خرقة ووضعته في التنور وهو مسجور وطاش عقلها ، فلم تعقل ما تصنع ، قال : فدخلوا فإذا التنور مسجور ورأوا أم موسى لم يتغير لها لون ولم يظهر لها لبن ، فقالوا لها ما أدخل عليك القابلة؟ قالت : هي مصافية لي فدخلت علي زائرة فخرجوا من عندها ، فرجع إليها عقلها فقالت لأخت موسى : فأين الصبي؟ قالت : لا أدري ، فسمعت بكاء الصبي من التنور فانطلقت إليه وقد جعل الله سبحانه وتعالى النار عليه بردا وسلاما ، فاحتملته ، قال : ثم إن أم موسى لما رأت إلحاح فرعون في طلب الولدان خافت على ابنها ، فقذف الله في نفسها أن تتخذ له تابوتا فتجعله فيه ثم تقذف التابوت في اليم وهو النيل ، فانطلقت إلى رجل نجار من قوم فرعون فاشترت منه تابوتا صغيرا فقال لها النجار ما تصنعين بهذا التابوت ، قالت : اين لي أخبئه في
__________________
(١) سقط من المطبوع.
(٢) في المطبوع «يوقع».
(٣) في المطبوع «عن» بدل «و» وهو خطأ.