قوله عزوجل : (وَمَنْ تابَ وَعَمِلَ صالِحاً) ، قال بعض أهل العلم هذا في التوبة عن غير ما سبق ذكره في الآية الأولى من القتل والزنا ، يعني من تاب من الشرك وعمل صالحا أي : أدى الفرائض ممن لم يقتل ولم يزن ، (فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللهِ) ، أي يعود إليه بالموت (مَتاباً) ، حسنا يفضل به على غيره ممن قتل وزنا فالتوبة الأولى وهو قوله : (وَمَنْ تابَ) رجوع عن الشرك والثاني رجوع إلى الله للجزاء والمكافأة. وقال بعضهم : هذه الآية أيضا في التوبة عن جميع السيئات. ومعناه : ومن أراد التوبة وعزم عليها فليتب لوجه الله. وقوله : (يَتُوبُ إِلَى اللهِ) خبر بمعنى الأمر ، أي : ليتب (١) إلى الله.
وقيل : معناه فليعلم أن توبته ومصيره إلى الله.
(وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ) ، قال الضحاك وأكثر المفسرين : يعني الشرك. وقال علي بن [أبي](٢) طلحة : يعني شهادة الزور. وكان عمر بن الخطاب يجلد شاهد الزور أربعين جلدة ويسخم وجهه ويطوف به في السوق. وقال ابن جريج : يعني الكذب. وقال مجاهد : يعني أعياد المشركين. وقيل النوح وقال قتادة : لا يساعدون أهل الباطل على باطلهم. وقال محمد بن الحنفية لا يشهدون اللهو والغناء.
وقال ابن مسعود : الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء الزرع. وأصل الزور تحسين الشيء ووصفه بخلاف صفته ، فهو تمويه الباطل بما يوهم أنه حق ، (وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً) ، قال مقاتل : إذا سمعوا من الكفار الشتم والأذى أعرضوا وصفحوا ، وهي رواية ابن أبي نجيح عن مجاهد. ونظيره قوله : (وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ) [القصص : ٥٥] ، قال السدي : وهي منسوخة بآية القتال. قال الحسن والكلبي : اللغو المعاصي كلها يعني إذا مروا بمجالس (٣) اللهو والباطل مروا كراما مسرعين معرضين. يقال : تكرم فلان عما يشينه إذا تنزه وأكرم (٤) نفسه عنه.
(وَالَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا) ، لم يقعوا ولم يسقطوا ، (عَلَيْها صُمًّا وَعُمْياناً) ، كأنهم صم عمي بل يسمعون ما يذكرون به فيفهمونه ويرون الحق فيه فيتبعونه. قال القتيبي : لم يتغافلوا عنها كأنهم صم لم يسمعوها وعمي لم يروها.
(وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَذُرِّيَّاتِنا) ، قرأ بغير ألف أبو عمرو وحمزة والكسائي وأبو بكر وقرأ الباقون بالألف على الجمع ، (قُرَّةَ أَعْيُنٍ) ، يعني أولادا أبرارا أتقياء ، يقولون اجعلهم صالحين فتقر أعيننا بذلك.
قال القرظي : ليس شيء أقر لعين المؤمن من أن يرى زوجته وأولاده مطيعين لله عزوجل. وقاله (٥) الحسن ، ووحد القرة لأنها مصدر وأصلها من البرد (٦) لأن العرب تتأذى من الحر وتستروح إلى البرد وتذكر قرة العين عند السرور وسخنة العين عند الحزن ، ويقال : دمع العين عند السرور بارد ، وعند الحزن حار. وقال الأزهري : معنى قرة الأعين أن يصادف قلبه من يرضاه فتقر عينه به عن النظر إلى غيره. (وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً) ، يعني أئمة يقتدون في الخير بنا ولم يقل أئمة. كقوله تعالى : (إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ) [الشعراء : ١٦] ، وقيل : أراد أئمة كقوله : (فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي) [الشعراء : ٧٧] يعني أعداء ، ويقال أميرنا هؤلاء أي أمراؤنا وقيل : لأنه مصدر كالصيام والقيام ، يقال أمّ إماما كما يقال قام قياما وصام صياما. قال
__________________
(١) في المخطوط «تب».
(٢) سقط من المطبوع.
(٣) في المطبوع «بمجلس».
(٤) في المطبوع «وأكره».
(٥) تصحف في المخطوط. «وقال».
(٦) في المطبوع «القر».