الحسن : نقتدي بالمتقين ويقتدي بنا المتقون. وقال ابن عباس : اجعلنا أئمة هداة ، كما قال : (وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا) [الأنبياء : ٧٣] ، ولا تجعلنا أئمة ضلالة كما قال : (وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ) [القصص : ٤١] ، وقيل : هذا من المقلوب (١) يعني واجعل المتقين لنا إماما واجعلنا مؤتمين مقتدين بهم ، وهو قول مجاهد.
(أُوْلئِكَ يُجْزَوْنَ) ، يعني ينالون ، (الْغُرْفَةَ) ، يعني الدرجة الرفيعة في الجنة والغرفة كل بناء مرتفع عال وقال عطاء : يريد غرف الدر والزبرجد [والياقوت](٢) في الجنة ، (بِما صَبَرُوا) ، على أمر الله تعالى وطاعته. وقيل : على أذى المشركين. وقيل : عن الشهوات (وَيُلَقَّوْنَ فِيها) ، قرأ حمزة والكسائي وأبو بكر بفتح الياء وتخفيف القاف كما قال (فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا) [مريم : ٥٩]. وقرأ الآخرون بضم الياء وتشديد القاف كما قال : (وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً) [الإنسان : ١١] ، وقوله : (تَحِيَّةً) ، أي ملكا وقيل بقاء دائما ، (وَسَلاماً) أي : يسلم بعضهم على بعض. وقال الكلبي : يحيى بعضهم [بعضا](٣) بالسلام ، ويرسل الرب إليهم بالسلام. وقيل : سلاما أي سلامة من الآفات.
(خالِدِينَ فِيها حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً) (٧٦) ، أي : موضع قرار وإقامة.
(قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي) ، قال مجاهد وابن زيد : أي ما يصنع وما يفعل بكم ، قال أبو عبيدة يقال : ما عبأت به شيئا أي لم أعدّه ، فوجوده وعدمه سواء ، مجازه : أيّ وزن وأيّ مقدار لكم عنده ، (لَوْ لا دُعاؤُكُمْ) إيّاه ، وقيل : لو لا إيمانكم ، وقيل : لو لا عبادتكم ، وقيل : لو لا دعاؤه إياكم إلى الإسلام ، فإذا آمنتم ظهر لكم قدر. وقال قوم : معناه قل ما يعبأ بخلقكم ربي لو لا عبادتكم وطاعتكم إيّاه يعني إنه خلقكم لعبادته ، كما قال : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (٥٦) [الذاريات : ٥٦]. وهذا قول ابن عباس ومجاهد.
وقال قوم : قل ما يعبأ [بكم ربي](٤) ما يبالي بمغفرتكم لو لا دعاؤكم معه آلهة ، أو ما يفعل بعذابكم لو لا شرككم ، كما قال الله تعالى : (ما يَفْعَلُ اللهُ بِعَذابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ) [النساء : ١٤٧] وقيل : ما يعبأ بعذابكم لو لا دعاؤكم إيّاه في الشدائد ، كما قال : (فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللهَ) [العنكبوت : ٦٥] ، وقال : (فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ) [الأنعام : ٤٢]. وقيل : (قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْ لا دُعاؤُكُمْ) ، أيها يقول ما خلقتكم ولي إليكم حاجة إلّا أن تسألوني فأعطيكم وتستغفروني فأغفر لكم. (فَقَدْ كَذَّبْتُمْ) ، أيها الكافرون يخاطب أهل مكة يعني إن الله دعاكم بالرسول إلى توحيده وعبادته فقد كذبتم الرسول ولم تجيبوه. (فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً) ، هذا تهديد (٥) لهم أي يكون تكذيبكم لزاما ، قال ابن عباس موتا. وقال أبو عبيدة : هلاكا. وقال ابن زيد : قتالا. والمعنى : يكون التكذيب لازما لمن كذب فلا يعطى التوبة حتى يجازى بعمله. وقال ابن جريج (٦) عذابا دائما وهلاكا مقيما يلحق بعضكم ببعض واختلفوا فيه فقال قوم : هو يوم بدر قتل منهم سبعون وأسر سبعون. وهو قول عبد الله بن مسعود وأبيّ بن كعب ومجاهد ومقاتل ، يعني أنهم قتلوا يوم بدر واتصل بهم عذاب الآخرة لازما لهم.
__________________
(١) في المطبوع «المقرب».
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) زيادة عن المخطوط.
(٤) زيادة عن المخطوط.
(٥) في المطبوع «تهذيبه».
(٦) في المطبوع «جرير».