ملحا دائما لازما غير مفارق من عذب به من الكفار ، ومنه سمي الغريم لطلبه حقه والحاجة على صاحبه وملازمته إياه. قال محمد بن كعب القرظي : سأل الله الكفار ثمن نعمه فلم يؤدوا فأغرمهم فيه ، فبقوا في النار ، وقال الحسن : كل غريم يفارق غريمه إلا جهنّم. والغرام الشر اللازم ، وقيل : غراما هلاكا.
(إِنَّها) ، يعني جهنم ، (ساءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً) ، يعني بئس موضع قرار وإقامة.
(وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا) ، قرأ ابن كثير وأهل البصرة «يقتروا» بفتح الياء وكسر التاء ، وقرأ أهل المدينة وابن عامر بضم الياء وكسر التاء ، وقرأ الآخرون بفتح الياء وضم التاء ، وكلها لغات صحيحة. يقال : أقتر وقتّر بالتشديد ، وقتّر يقتر ، واختلفوا في معنى الإسراف والإقتار ، فقال بعضهم : الإسراف النفقة في معصية الله وإن قلّت ، والإقتار منع حق الله تعالى. وهو قول ابن عباس ومجاهد وقتادة وابن جريج. وقال الحسن في هذه الآية لم ينفقوا في معاصي الله ولم يمسكوا عن فرائض الله. وقال قوم : الإسراف مجاوزة الحد في الإنفاق ، حتى يدخل في حد التبذير والإقتار التقصير عمّا لا بدّ منه ، وهذا معنى قول إبراهيم [قال](١) لا يجيعهم ولا يعريهم ولا ينفق نفقه يقول الناس قد أسرف ، (وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً) ، قصدا وسطا بين الإسراف والإقتار ، حسنة بين السيئتين.
وقال يزيد بن أبي حبيب في هذه الآية : أولئك أصحاب محمد صلىاللهعليهوسلم كانوا [لا](٢) يأكلون طعاما للتنعم واللذة ولا يلبسون ثوبا للجمال ، ولكن كانوا يريدون من الطعام ما يسد عنهم الجوع ويقويهم على عبادة ربهم ، ومن الثياب ما يستر عوراتهم ويكنهم من الحر والبرد (٣). قال عمر بن الخطاب : كفى سرفا أن لا يشتهي الرجل شيئا إلا اشتراه فأكله.
قوله عزوجل : (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ) الآية.
[١٥٧٠] أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا إبراهيم بن موسى أنا هشام بن يوسف [أن](٤) ابن جريج أخبرهم قال : قال يعلى وهو ابن مسلم أن سعيد بن جبير أخبره عن ابن عباس أن ناسا من أهل الشرك كانوا قد قتلوا فأكثروا وزنوا فأكثروا فأتوا محمدا صلىاللهعليهوسلم فقالوا : إن الذي تقول وتدعو إليه لحسن لو تخبرنا بأن لما علمناه (٥) كفارة ، فنزل : (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ) ، ونزل : (قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ
__________________
[١٥٧٠] ـ إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.
ـ إبراهيم بن موسى هو التميمي ، ابن جريج ؛ هو عبد الملك بن عبد العزيز.
ـ وهو في «صحيح البخاري» ٤٨١٠ عن إبراهيم بن موسى.
ـ وأخرجه مسلم ١٢٢ وأبو داود ٤٢٧٤ والنسائي في «التفسير» ٤٦٩ والحاكم في «المستدرك» ٢ / ٤٠٣ والبيهقي ٩ / ٩٨ والواحدي في «أسباب النزول» ٦٥٨ كلهم من طريق يعلى بن مسلم به.
ـ وأخرجه الطبري ٢٦٥١٢ من طريق منصور بن المعتمر عن سعيد بن جبير به.
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) سقط من المطبوع.
(٣) في المطبوع «القر».
(٤) سقط من المطبوع.
(٥) في المطبوع «بأن لنا عملنا».