قوله عزوجل : (تَبارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً) ، قال الحسن ومجاهد وقتادة : البروج (١) هي النجوم الكبار سميت بروجا لظهورها.
وقال عطية العوفي : بروجا أي قصورا فيها الحرس ، كما قال : (وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ) [النساء : ٧٨].
وقال عطاء عن ابن عباس : هي البروج الاثنا عشر التي هي منازل الكواكب السبعة السيارة ، وهي الحمل والثور والجوزاء والسرطان والأسد والسنبلة والميزان والعقرب والقوس والجدي والدلو والحوت ، فالحمل والعقرب بيتا المريخ ، والثور والميزان بيتا الزهرة ، والجوزاء والسنبلة بيتا عطارد ، والسرطان بيت القمر ، والأسد بيت الشمس ، والقوس والحوت بيتا المشتري ، والجدي والدلو بيتا زحل. وهذه البروج مقسومة على الطبائع الأربع فيكون نصيب كل واحد منها ثلاثة بروج تسمى المثلثات ، فالحمل والأسد والقوس مثلثة نارية ، والثور والسنبلة والجدي مثلثة ترابية (٢) والجوزاء والميزان والدلو مثلثة هوائية ، والسرطان والعقرب والحوت مثلثة مائية. (وَجَعَلَ فِيها سِراجاً) يعني الشمس كما قال : (وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِراجاً) [نوح : ١٦] وقرأ حمزة والكسائي «سرجا» بالجمع يعني النجوم. (وَقَمَراً مُنِيراً) ، والقمر قد دخل في السرج على قراءة من قرأ بالجمع ، غير أنه خصه بالذكر لنوع فضيلة ، كما قال : (فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ) (٦٨) [الرحمن : ٦٨] ، خص النخل والرمان بالذكر مع دخولهما في الفاكهة [لنوع شرف](٣).
(وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً) ، اختلفوا فيه قال ابن عباس والحسن وقتادة : يعني خلفا وعوضا يقوم أحدهما مقام صاحبه ، فمن فاته عمله في أحدهما قضاه في الآخر.
قال شقيق : جاء رجل إلى عمر بن الخطاب ، فقال فاتتني الصلاة الليلة ، فقال أدرك ما فاتك من ليلتك في نهارك ، فإن الله عزوجل : (جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ).
قال مجاهد : يعني جعل كل واحد منهما مخالفا لصاحبه فجعل هذا أسود وهذا أبيض ، وقال ابن زيد وغيره يعني يخلف أحدهما صاحبه إذا ذهب أحدهما جاء الآخر فهما يتعاقبان في الضياء والظلام (٤) والزيادة والنقصان ، (لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ) ، قرأ حمزة بتخفيف الدال والكاف وضمها من الذكر ، وقرأ الآخرون بتشديد هما أي يتذكر ويتعظ (أَوْ أَرادَ شُكُوراً) ، قال مجاهد : أي شكر نعمة ربه عليه فيهما.
قوله عزوجل : (وَعِبادُ الرَّحْمنِ) ، يعني أفاضل العباد. وقيل : هذه الإضافة للتخصيص والتفضيل ، وإلا فالخلق كلهم عباد الله. (الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً) ، يعني بالسكينة والوقار متواضعين غير أشرين ولا مرحين ، ولا متكبرين ، وقال الحسن : علماء وحكماء. وقال محمد بن الحنفية : أصحاب وقار وعفة لا يسفهون ، وإن سفه عليهم حلموا ، والهون في اللغة الرفق واللين ، (وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ) ، يعني السفهاء بما يكرهون ، (قالُوا سَلاماً) ، قال مجاهد : سدادا من القول. وقال مقاتل بن حيان : قولان يسلمون فيه من الإثم.
وقال الحسن : إن جهل عليهم جاهل حلموا ولم يجهلوا ، وليس المراد منه السلام المعروف. وروي
__________________
(١) في المطبوع «النجوم».
(٢) في المطبوع «أرضية».
(٣) زيادة من المخطوط.
(٤) في المطبوع «الظلمة».