(وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَياةً وَلا نُشُوراً (٣) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذا إِلاَّ إِفْكٌ افْتَراهُ وَأَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جاؤُ ظُلْماً وَزُوراً (٤) وَقالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (٥) قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (٦) وَقالُوا ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ لَوْ لا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً (٧) أَوْ يُلْقى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْها وَقالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَسْحُوراً (٨))
(وَاتَّخَذُوا) ، يعني عبدة الأوثان ، (مِنْ دُونِهِ آلِهَةً) ، يعني : الأصنام ، (لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً) ، أي دفع ضر ولا جلب نفع ، (وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَياةً) ، أي إماتة وإحياء ، (وَلا نُشُوراً) ، أي بعثا بعد الموت.
(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا) ، يعني النضر بن الحارث وأصحابه ، (إِنْ هَذا) ، ما هذا القرآن ، (إِلَّا إِفْكٌ) ، كذب ، (افْتَراهُ) ، اختلقه محمد صلىاللهعليهوسلم ، (وَأَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ) ، قال مجاهد : يعني اليهود. وقال الحسن : هو عبيد بن الخضر الحبشي الكاهن. وقيل : جبر ويسار وعداس بن عبيد ، كانوا بمكة من أهل الكتاب فزعم المشركون أن محمدا صلىاللهعليهوسلم يأخذ منهم ، قال الله تعالى : (فَقَدْ جاؤُ) ، يعني قائلي هذه المقالة ، (ظُلْماً وَزُوراً) ، أي بظلم وزور. فلما حذف الباء انتصب ، يعني جاءوا شركا وكذبا بنسبتهم كلام الله تعالى إلى الإفك والافتراء.
(وَقالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها) ، يعني النضر بن الحارث كان يقول : إنّ هذا القرآن ليس من الله وإنما هو مما سطره الأولون مثل حديث رستم وإسفنديار ، اكتتبها انتسخها محمد من جبر ويسار وعداس ، ومعنى اكتتب يعني طلب أن يكتب له لأنه كان لا يكتب ، (فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ) ، يعني تقرأ عليه ليحفظها لا ليكتبها ، (بُكْرَةً وَأَصِيلاً) ، غدوة وعشيا. قال الله عزوجل ردا عليهم :
(قُلْ أَنْزَلَهُ) ، يعني القرآن ، (الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ) ، يعني الغيب (فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كانَ غَفُوراً رَحِيماً).
(وَقالُوا ما لِهذَا الرَّسُولِ) ، يعنون محمدا صلىاللهعليهوسلم ، (يَأْكُلُ الطَّعامَ) ، كما نأكل نحن ، (وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ) ، يلتمس المعاش كما نمشي فلا يجوز أن يمتاز عنّا بالنبوة ، وكانوا يقولون له لست أنت بملك [ولا يملك](١) ، لأنك تأكل والملك لا يأكل ، ولست بملك لأن الملك لا يتسوق ، وأنت تتسوق وتتبذل. وما قالوه فاسد لأن أكله الطعام لكونه آدميا ومشيه في الأسواق لتواضعه ، وكان ذلك صفة له وشيء من ذلك لا ينافي النبوة. (لَوْ لا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ) ، فيصدقه ، (فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً) ، داعيا.
(أَوْ يُلْقى إِلَيْهِ كَنْزٌ) ، أي : ينزل عليه كنز من السماء ينفقه فلا يحتاج إلى التردد والتصرف في طلب المعاش ، (أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ) [أي](٢) بستان ، (يَأْكُلُ مِنْها) ، قرأ حمزة والكسائي «نأكل» بالنون أي نأكل نحن منها ، (وَقالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلاً مَسْحُوراً) ، مخدوعا. وقيل : مصروفا عن الحق.
__________________
(١) سقط من المخطوط.
(٢) زيادة عن المخطوط.