للناس قبل أن يوحى إليه نور على نور ، نبي من نسل نبي ، نور محمد على نور إبراهيم. وقال بعضهم : وقع هذا التمثيل لنور قلب المؤمن.
روى أبو العالية عن أبيّ بن كعب قال : هذا مثل المؤمن ، فالمشكاة نفسه والزجاجة صدره ، والمصباح ما جعل الله فيه من الإيمان ، والقرآن في قلبه يوقد من شجرة مباركة وهي الإخلاص لله وحده ، فمثله كمثل الشجرة التي التف بها الشجر [فهي](١) خضراء ناعمة لا تصيبها الشمس إذا طلعت ولا إذا غربت فكذلك المؤمن ، قد احترس من أن يصيبه شيء من الفتن فهو بين أربع خلال إن أعطي شكر وإن ابتلي صبر ، وإن حكم عدل ، وإن قال صدق ، يكاد زيتها يضيء أي يكاد قلب المؤمن يعرف الحق قبل أن يتبين له لموافقته إياه نور على نور.
قال أبيّ فهو يتقلب في خمسة أنوار. قوله : «نور» وعمله نور ومدخله نور ومخرجه نور ومصيره إلى النور يوم القيامة. قال ابن عباس : هذا مثل نور الله وهداه في قلب المؤمن كما يكاد الزيت الصافي يضيء قبل أن تمسه النار ، فإذا مسته النار ازداد ضوءا على ضوئه ، كذلك يكاد قلب المؤمن يعمل بالهدى قبل أن يأتيه العلم ، فإذا جاءه العلم ازداد هدى على هدى ونورا على نور [قال الكلبي قوله : نور على نور](٢) ، يعني إيمان المؤمن وعمله. وقال السدي : نور الإيمان ونور القرآن.
وقال الحسن وابن زيد : هذا مثل للقرآن ، فالمصباح هو القرآن فكما يستضاء بالمصباح يهتدى بالقرآن ، والزجاجة قلب المؤمن والمشكاة فمه ولسانه والشجرة المباركة شجرة الوحي ، (يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ) تكاد حجة القرآن تتضح وإن لم يقرأ نور على نور يعني القرآن نور من الله لخلقه مع ما أقام لهم من الدلائل والإعلام قبل نزول القرآن ، فازداد بذلك نورا على نور قوله تعالى : (يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ) ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : لدين الإسلام وهو نور البصيرة وقيل القرآن (وَيَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ) ، يبين الله الأشياء للناس تقريبا للأفهام ، وتسهيلا لسبيل الإدراك ، (وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ).
(فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ (٣٦))
قوله : (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ) ، أي ذلك المصباح في بيوت. وقيل : توقد في بيوت ، والبيوت : هي المساجد ، قال سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : المساجد بيوت الله في الأرض ، وهي تضيء لأهل السماء كما تضيء النجوم لأهل الأرض.
وروى صالح بن حيان عن ابن بريدة في قوله تعالى : (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ) ، قال : إنما هي أربعة مساجد لم يبنها إلا نبي : الكعبة بناها إبراهيم وإسماعيل فجعلاها قبلة ، وبيت المقدس بناه داود وسليمان ، ومسجد المدينة بناه رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ومسجد قباء أسس على التقوى بناه رسول الله صلىاللهعليهوسلم. قوله : (أَنْ تُرْفَعَ) ، قال مجاهد أن تبنى نظيره قوله تعالى : (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ) [البقرة : ١٢٧] وقال الحسن : تعظم يعني لا يذكر فيها (٣) الخنا من القول. (وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ) قال ابن عباس رضي الله عنهما : يتلى فيها كتابه ، (يُسَبِّحُ) ، قرأ ابن عامر وأبو بكر «يسبح» بفتح الباء على غير تسمية الفاعل والوقف على هذه القراءة عند قوله : (وَالْآصالِ) [النور : ٣٦] وقرأ الآخرون بكسر الباء جعلوا (٤) التسبيح
__________________
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) في المطبوع «فيه».
(٤) في المخطوط «جعل».