(وَلَقَدْ أَنْزَلْنا
إِلَيْكُمْ آياتٍ مُبَيِّناتٍ وَمَثَلاً مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ
وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (٣٤) اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ
نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ الزُّجاجَةُ
كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا
شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ
نارٌ نُورٌ عَلى نُورٍ يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ وَيَضْرِبُ اللهُ
الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٣٥))
قوله تعالى : (وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ آياتٍ
مُبَيِّناتٍ) ، من الحلال والحرام ، (وَمَثَلاً مِنَ
الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ) ، أي شبها من حالكم بحالهم أيها المكذبون ، وهذا تخويف
لهم أن يلحقهم ما لحق من قبلهم من المكذبين ، (وَمَوْعِظَةً
لِلْمُتَّقِينَ) ، للمؤمنين الذين يتقون الشرك والكبائر.
قوله تعالى : (اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ، قال ابن عباس : هادي أهل السموات والأرض ، فهم بنوره
إلى الحق يهتدون وبهداه من الضلالة ينجون. وقال الضحاك : منوّر السموات والأرض ،
يقال : نوّر السماء بالملائكة ونوّر الأرض بالأنبياء. وقال مجاهد : مدبر الأمور في
السموات والأرض. وقال أبيّ بن كعب والحسن وأبو العالية : مزيّن السموات والأرض ،
زيّن السماء الشمس والقمر والنجوم ، وزيّن الأرض بالأنبياء والعلماء والمؤمنين.
ويقال : بالنبات والأشجار. وقيل : معناه الأنوار كلها منه ، كما يقال : فلان رحمة
أي منه الرحمة ، وقد يذكر مثل هذا اللفظ على طريق المدح كما قال القائل : «شعر» :
إذا سار عبد
الله عن مرو ليلة
|
|
فقد سار منها
نورها وجمالها
|
قوله تعالى : (مَثَلُ نُورِهِ) أي مثل نور الله تعالى في قلب المؤمن وهو النور الذي
يهتدي به كما قال فهو على نور من ربه ، وكان ابن مسعود يقرأ مثل نوره في قلب
المؤمن. وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس : مثل نوره الذي أعطى المؤمن. وقال بعضهم :
الكناية عائدة إلى المؤمن ، أي : مثل نور قلب المؤمن ، وكان أبيّ يقرأ : «مثل نور
من آمن به» وهو عبد جعل الإيمان والقرآن في صدره. وقال الحسن وزيد بن أسلم : أراد
بالنور القرآن. وقال سعيد بن جبير والضحاك هو محمد صلىاللهعليهوسلم.
وقيل : أراد
بالنور الطاعة ، سمّى طاعة الله نورا وأضاف هذه الأنوار إلى نفسه تفضيلا ، (كَمِشْكاةٍ) ، وهي الكوة التي لا منفذ لها فإن كان لها منفذ فهي
كوة. وقيل : المشكاة حبشية. قال مجاهد : هي القنديل (فِيها مِصْباحٌ) أي : سراج وأصله من الضوء ، ومنه الصبح ، ومعناه :
كمصباح في مشكاة ، (الْمِصْباحُ فِي
زُجاجَةٍ) ، يعني القنديل ، قال الزجاج : إنما ذكر الزجاجة لأن
النور وضوء النار فيها أبين من كل شيء ، وضوء يزيد في الزجاج ، ثم وصف الزجاجة ،
فقال : (الزُّجاجَةُ
كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌ).
قرأ أبو عمر
والكسائي «درىء» بكسر الدال والهمز ، وقرأ حمزة وأبو بكر بضم الدال والهمز ، فمن
كسر الدال فهو فعيل من الدرء وهو الدفع لأن الكوكب يدفع الشيطان من السماء ، وشبهه بحالة الدفع لأنه يكون في تلك الحالة
أضوأ وأنور ، وقيل : دري مكرر أي طالع ، يقال درأ النجم إذا طلع وارتفع ، ويقال :
هو من درأ الكوكب إذا اندفع منقبضا فيتضاعف ضوؤه في ذلك الوقت. ويقال : درأ علينا
فلان أي طلع وظهر ، فأما رفع الدال مع الهمزة كما قرأ حمزة قال أكثر النحاة : هو
لحن لأنه ليس في كلام العرب فعيل بضم الفاء وكسر العين.
__________________