(وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (٤) إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥) وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلاَّ أَنْفُسُهُمْ فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (٦) وَالْخامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللهِ عَلَيْهِ إِنْ كانَ مِنَ الْكاذِبِينَ (٧))
قوله : (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً) ، أراد بالرمي القذف بالزنا وكل من رمى محصنا أو محصنة بالزنا ، فقال له : زنيت أو يا زاني فيجب عليه جلد ثمانين ، إن كان حرا وإن كان عبدا فيجلد (١) أربعين وإن كان المقذوف غير محصن ، فعلى القاذف التعزير وشرائط الإحصان خمسة : الإسلام والعقل والبلوغ والحرية والعفة من الزاني حتى أن من زنى مرة في أول بلوغه ثم تاب وحسنت حالته وامتد عمره فقذفه قاذف فلا حدّ عليه. فإن أقر المقذوف على نفسه بالزنا أو أقام القاذف أربعة من الشهود على زناه سقط الحدّ على القاذف لأن الحد الذي وجب عليه حد الفرية وقد ثبت صدقه ، وقوله : (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ) أي : يقذفون بالزنا المحصنات يعني المسلمات الحرائر العفائف (ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ) يشهدون على زناهم (فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً) ، أي : اضربوهم ثمانين جلدة. (وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ).
(إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٥) ، اختلف العلماء في قبول شهادة القاذف بعد التوبة وفي حكم هذا الاستثناء فذهب قوم إلى أن القاذف ترد شهادته بنفس القذف وإذا تاب وندم على ما قال وحسنت توبته (٢) قبلت شهادته ، سواء تاب بعد إقامة الحدّ عليه أو قبله ، لقوله تعالى : (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا) وقالوا : الاستثناء يرجع إلى ردّ الشهادة وإلى الفسق فبعد التوبة تقبل شهادته ويزول عنه اسم الفسق ، يروى ذلك عن ابن عباس وعمر ، وهو (٣) قول سعيد بن جبير ومجاهد وعطاء وطاوس وسعيد بن المسيب وسليمان بن يسار والشعبي وعكرمة وعمر بن عبد العزيز والزهري وبه قال مالك والشافعي. وذهب قوم إلى أن شهادة المحدود في القذف لا تقبل أبدا وإن تاب ، وقالوا : الاستثناء يرجع إلى قوله : (وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) ، وهو قول النخعي وشريح وأصحاب الرأي ، وقالوا : بنفس القذف لا ترد شهادته ما لم يحدّ قال الشافعي : وهو قبل أن يحد شر منه حين يحد لأن الحدود كفارات فكيف يردونها في أحسن حاليه ويقبلونها في شر حاليه ، وذهب الشعبي إلى أن حدّ القذف يسقط بالتوبة ، وقال : الاستثناء يرجع إلى الكل وعامة العلماء على أنه لا يسقط بالتوبة إلا أن يعفو عنه المقذوف فيسقط كالقصاص يسقط بالعفو ، ولا يسقط بالتوبة. فإن قيل إذا قبلتم شهادته بعد التوبة فما معنى قوله (أَبَداً) قيل : معناه لا تقبل شهادته أبدا ما دام هو مصرا على قذفه لأن أبد كل إنسان مدته على ما يليق بحاله ، كما يقال : لا تقبل شهادة الكافر أبدا : يراد ما دام كافرا.
قوله : (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ) ، يقذفون نساءهم ، (وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ) ، يشهدون على صحة ما قالوا ، (إِلَّا أَنْفُسُهُمْ) [أي](٤) غير أنفسهم ، (فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ) ، قرأ حمزة والكسائي
__________________
(١) في المخطوط «فجلد».
(٢) في المطبوع «حالته».
(٣) في المطبوع «وهذا».
(٤) زيادة عن المخطوط.