وقيل : هو قول المشركين في تلبيتهم لبيك لا شريك لك لبيك إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك.
(حُنَفاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَكَأَنَّما خَرَّ مِنَ السَّماءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكانٍ سَحِيقٍ (٣١) ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (٣٢) لَكُمْ فِيها مَنافِعُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ (٣٣) وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ فَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (٣٤))
(حُنَفاءَ لِلَّهِ) ، مخلصين له ، (غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ) ، قال قتادة : كانوا في الشرك يحجون ويحرمون البنات والأمهات والأخوات وكانوا يسمون حنفاء ، فنزلت : (حُنَفاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ) أي : حجاجا لله مسلمين موحدين يعني : من أشرك لا يكون حنيفا. (وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَكَأَنَّما خَرَّ) ، أي : سقط ، (مِنَ السَّماءِ) ، إلى الأرض ، (فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ) ، أي : تستلبه الطير وتذهب به ، والخطف والاختطاف تناول الشيء بسرعة ، وقر أهل المدينة (فتخطفه) بفتح الخاء وتشديد الطاء ، أي : يتخطفه ، (أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ) ، أي : تميل وتذهب به ، (فِي مَكانٍ سَحِيقٍ) ، أي بعيد معناه أن بعد من أشرك بالحق كبعد من سقط من السماء فذهبت به الطير ، أو هوت به الريح ، فلا يصل [إليه](١) بحال. وقيل : شبه حال المشرك بحال الهاوي من السماء في أنه لا يملك لنفسه حيلة حتى يقع بحيث تسقطه الريح ، فهو هالك لا محالة إما باستلاب الطير لحمه وإما بسقوطه إلى المكان السحيق ، وقال الحسن : شبه أعمال الكفار بهذه الحال في أنها تذهب وتبطل فلا يقدرون على شيء منها.
(ذلِكَ) ، يعني الذي ذكرت من اجتناب الرجس وقول الزور ، (وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) ، قال ابن عباس : شعائر الله البدن والهدي وأصلها من الإشعار وهو إعلامها ليعرف (٢) أنها هدي وتعظيمها استسمانها واستحسانها ، وقيل : شعائر الله أعلام دينه فإنها من تقوى القلوب ، أي : فإن تعظيمها من تقوى القلوب.
(لَكُمْ فِيها) أي : في البدن قبل تسميتها للهدي ، (مَنافِعُ) ، في درها ونسلها وأصوافها وأوبارها وركوب ظهورها ، (إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) ، وهو أن يسميها ويوجبها هديا فإذا فعل ذلك لم يكن له شيء من منافعها ، هذا قول مجاهد ، وقتادة والضحاك ، ورواه مقسم عن ابن عباس. وقيل معناه : لكم في الهدايا منافع بعد إيجابها وتسميتها هديا بأن تركبوها وتشربوا ألبانها عند الحاجة إلى أجل مسمى ، يعني إلى أن تنحروها وهو قول عطاء بن أبي رباح واختلف أهل العلم في ركوب الهدي ، فقال قوم : يجوز له ركوبها والحمل عليها غير مضر بها ، وهو قول مالك والشافعي وأحمد وإسحاق ، لما :
[١٤٦١] أخبرنا أبو الحسن السرخسي أنا أبو علي زاهر بن أحمد أنا أبو إسحاق الهاشمي أنا أبو مصعب
__________________
[١٤٦١] ـ إسناده على شرط البخاري ومسلم.
ـ أبو مصعب أحمد بن أبي بكر المدني ، مالك بن أنس ، أبو الزناد عبد الله بن ذكوان ، الأعرج ، عبد الرحمن بن هرمز.
ـ وهو في «شرح السنة» ١٩٤٧ بهذا الإسناد.
ـ وهو في «الموطأ» ١ / ٣٧٧ عن أبي الزناد به.
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) في المطبوع «ليعلم».