وقال مجاهد : النصر بمعنى الرزق والهاء راجعة إلى (من) ومعناه من كان يظن أن لن يرزقه الله في الدنيا والآخرة نزلت في من أساء الظن بالله وخاف ألا يرزقه ، فليمدد بسبب إلى السماء أي إلى سماء البيت فلينظر هل يذهبن فعله ذلك ما يغيظ ، وهو خيفة أن لا يرزق وقد يأتي النصر بمعنى الرزق ، تقول العرب : من ينصرني نصره الله أي من يعطني أعطاه الله ، قال أبو عبيدة : تقول العرب أرض منصورة أي ممطورة ، قرأ أبو عمرو ونافع وابن عامر ويعقوب «ثم ليقطع» «ثم ليقضوا» بكسر اللام ، والباقون بجزمها لأن الكل لام الأمر ، زاد ابن عامر (وليوفوا وليطوفوا) بكسر اللام فيهما ، ومن كسر في ثم ليقطع وفي ثم ليقضوا فرق بأن ثم مفصول من الكلام والواو كأنها من نفس الكلمة كالفاء في قوله فلينظر.
(وَكَذلِكَ) أي ومثل ذلك يعني ما تقدم من آيات القرآن ، (أَنْزَلْناهُ) ، يعني : القرآن (آياتٍ بَيِّناتٍ وَأَنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يُرِيدُ).
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصارى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا) ، يعني : عبدة الأوثان ، (إِنَّ اللهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ) ، يحكم بينهم ، (يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ).
(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ وَمَنْ يُهِنِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يَشاءُ (١٨))
(أَلَمْ تَرَ) ، ألم تعلم ، وقيل : (أَلَمْ تَرَ) بقلبك (أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُ) ، قال مجاهد : سجودها تحول ظلالها. وقال أبو العالية : ما في السماء نجم ولا شمس ولا قمر إلا يقع ساجدا حين يغيب ثم لا ينصرف حتى يؤذن له ، فيأخذ ذات اليمين حتى يرجع إلى مطلعه. وقيل : سجودها بمعنى الطاعة فإنه ما من جماد إلا وهو مطيع لله خاشع لله مسبح له كما أخبر الله تعالى عن السموات والأرض (قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ) [فصلت : ١١] ، وقال في وصف الحجارة (وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ) [البقرة : ٧٤] ، وقال تعالى : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) [الإسراء : ٤٤] ، وهذا مذهب حسن موافق [لقول أهل](١) السنة. قوله : (وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ) ، أي : من هذه الأشياء كلها تسبح الله عزوجل وكثير من الناس يعني المسلمين. (وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ) ، وهم الكفار لكفرهم وتركهم السجود وهم مع كفرهم تسجد ظلالهم لله عزوجل والواو في قوله : (وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ) ، واو الاستئناف. (وَمَنْ يُهِنِ اللهُ) أي : يهنه الله (فَما لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ) أي : من يذله الله فلا يكرمه أحد ، (إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يَشاءُ) ، أي : يكرم ويهين فالسعادة والشقاوة بإرادته ومشيئته.
(هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ الْحَمِيمُ (١٩) يُصْهَرُ بِهِ ما فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ (٢٠) وَلَهُمْ مَقامِعُ مِنْ حَدِيدٍ (٢١) كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيها وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ (٢٢) إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ (٢٣) وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلى صِراطِ الْحَمِيدِ (٢٤))
__________________
(١) في المطبوع «لأهل».