أقرب من نفعه ولا نفع في عبادة الصنم أصلا؟ قيل : هذا على عادة العرب فإنهم يقولون لما لا يكون أصلا بعيد ، كقوله : (ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ) [ق : ٣] أي : لا رجع أصلا فلما كان نفع الصنم بعيدا على معنى أنه لا نفع فيه أصلا قيل ضربه أقرب من نفعه لأنه كائن ، السؤال الثالث : قوله : (لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ) ما وجه هذه اللام؟ اختلفوا فيه فقال بعضهم : هي صلة مجازها «يدعو من ضره أقرب» ، وهكذا قرأها ابن مسعود [أي إلى الذي ضره أقرب من نفعه](١). وقيل : يدعو بمعنى يقول ، والخبر محذوف أي يقول لمن ضره أقرب من نفعه هو إله. وقيل : معناه يدعو لمن ضره أقرب من نفعه يدعو ، فحذف يدعو الأخيرة اجتزاء بالأولى ولو قلت يضرب لمن خيره أكثر من شره يضرب ، ثم يحذف الأخيرة جاز. وقيل : على التوكيد (٢) معناه يدعو والله لمن ضره أقرب من نفعه. وقيل : (يَدْعُوا مِنْ) صلة قوله ذلك هو الضلال البعيد يقول ذلك هو الضلال البعيد يدعو ، ثم استأنف فقال لمن ضره أقرب من نفعه فيكون (مِنْ) في محل رفع بالابتداء وخبره ، (لَبِئْسَ الْمَوْلى) : أي : الناصر. وقيل : المعبود. (وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ) ، أي : الصاحب والمخالط يعني الوثن ، والعرب تسمي الزوج عشير (٣) لأجل المخالطة.
(إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ (١٤) مَنْ كانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّماءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ ما يَغِيظُ (١٥) وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ آياتٍ بَيِّناتٍ وَأَنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يُرِيدُ (١٦) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصارى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (١٧))
(إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ) (١٤).
(مَنْ كانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللهُ) ، يعني نبيه محمدا صلىاللهعليهوسلم (فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ) ، أي : بحبل (إِلَى السَّماءِ) أراد بالسماء سقف البيت على قول الأكثرين أي : ليشدد حبلا في سقف بيته فليختنق به حتى يموت ، (ثُمَّ لْيَقْطَعْ) الحبل بعد الاختناق. وقيل : ثم ليقطع أي ليمد الحبل حتى ينقطع فيموت مختنقا ، (فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ) ، صنعه وحيلته ، (ما يَغِيظُ) (ما) بمعنى المصدر أي : هل يذهبنّ كيده وحيلته غيظه معناه فليختنق غيظا حتى يموت ، وليس هذا على سبيل الحتم أن يفعله لأنه لا يمكنه القطع والنظر بعد الاختناق والموت ، ولكنه كما يقال للحاسد إن لم ترض هذا فاختنق ومت غيظا.
وقال ابن زيد : المراد [من السماء](٤) السماء المعروفة ومعنى الآية : من كان يظن أن لن ينصر الله نبيه ويكيد في أمره ليقطعه عنه فليقطعه من أصله فإن أصله من السماء فليمدد بسبب إلى السماء ثم ليقطع عن النبي صلىاللهعليهوسلم الوحي الذي يأتي من السماء فلينظر هل يقدر على إذهاب غيظه بهذا الفعل.
وروي أن هذه الآية نزلت في قوم من أسد وغطفان دعاهم النبي صلىاللهعليهوسلم إلى الإسلام وكان بينهم وبين اليهود حلف فقالوا لا يمكننا أن نسلم لأنا نخاف أن لا ينصر محمد ولا يظهر أمره فينقطع الحلف بيننا وبين اليهود ، فلا يميروننا ولا يأووننا فنزلت هذه الآية (٥).
__________________
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) في المطبوع «التوحيد».
(٣) في المطبوع «العشير».
(٤) في المخطوط «منه».
(٥) لم أقف على إسناده ، وسياق المصنف له بصيغة التمريض توهين له.