تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللهِ لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ) [المنافقون : ٥]. (لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) ، عن دين الله ، (لَهُ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ) ، عذاب وهوان هو القتل ببدر ، فقتل النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط يوم بدر صبرا. (وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَذابَ الْحَرِيقِ).
ويقال له : (ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ يَداكَ وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) (١٠) ، فيعذبهم بغير ذنب وهو جل ذكره على أيّ وجه شاء تصرف في عبيده (١) فحكمه عدل وهو غير ظالم.
(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ (١١) يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَضُرُّهُ وَما لا يَنْفَعُهُ ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ (١٢) يَدْعُوا لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ (١٣))
قوله تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ) ، الآية نزلت في قوم من الأعراب كانوا يقدمون المدينة مهاجرين من باديتهم فكان أحدهم إذا قدم المدينة فصح بها جسمه ونتجت فرسه مهرا حسنا وولدت امرأته غلاما (٢) وكثر ماله قال هذا دين حسن وقد أصبت فيه خيرا واطمأن إليه ، وإن أصابه مرض وولدت امرأته جارية وأجهضت فرسه وقلّ ماله قال : ما أصبت منذ دخلت في هذا الدين إلا شرا فينقلب عن دينه ، وذلك الفتنة ، فأنزل الله عزوجل : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ) ، أكثر المفسرين قالوا على شك وأصله من حرف الشيء وهو طرفه نحو حرف الجبل والحائط الذي [القائم](٣) عليه غير مستقر ، فقيل للشاك في الدين : إنه يعبد الله على حرف لأنه على طرف وجانب من الدين لم يدخل فيه على الثبات والتمكن كالقائم على حرف الجبل مضطرب غير مستقر يعرض أن يقع في أحد جانبي الطرف لضعف قيامه ، ولو عبدوا الله في الشكر على السراء والصبر على الضراء لم يكونوا على حرف ، قال الحسن : هو المنافق يعبده بلسانه دون قلبه. (فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ) ، صحة في جسمه وسعة في معيشته ، (اطْمَأَنَّ بِهِ) ، أي : رضي (٤) وسكن إليه ، (وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ) ، بلاء في جسده وضيق في معيشته ، (انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ) ، ارتد ورجع على عقبه إلى الوجه الذي كان عليه من الكفر ، (خَسِرَ الدُّنْيا) ، يعني هذا الشاك خسر الدنيا بفوات ما كان يؤمله ، (وَالْآخِرَةَ) ، بذهاب الدين والخلود في النار. قرأ يعقوب «خاسر» بالألف (والآخرة) جرّ. (ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ) [أي](٥) : الظاهر.
(يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَضُرُّهُ) ، إن عصاه ولم يعبده ، (وَما لا يَنْفَعُهُ) ، إن أطاعه وعبده ، (ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ) [يعني البعيد](٦) عن الحق والرشد.
(يَدْعُوا لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ) ، هذه الآية من مشكلات القرآن وفيها أسئلة أولها (٧) قالوا قد قال الله في الآية السابقة (يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَضُرُّهُ وَما لا يَنْفَعُهُ) وقال هاهنا : (لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ) فكيف التوفيق بينهما؟ قيل : قوله في الآية الأولى (يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَضُرُّهُ) أي : لا يضره ترك عبادته ، وهو قوله : (لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ) أي : ضر عبادته ، فإن قيل : قد قال لمن ضره
__________________
(١) في المطبوع «عبده».
(٢) في المطبوع «ذكرا».
(٣) في المطبوع «كالقائم» وكذا في ـ ط ـ.
(٤) زيد في المطبوع «به».
(٥) زيادة عن المخطوط.
(٦) زيادة عن المخطوط.
(٧) زيد في المطبوع «ثانيها».