وروي عن علقمة عن عبد الله بن مسعود قال : إن النطفة إذا استقرت في الرحم أخذها ملك بكفه وقال : أي ربّ مخلقة أو غير مخلقة؟ فإن قال غير مخلقة قذفها الرحم دما ولم تكن نسمة ، وإن قال مخلقة قال الملك : أي ربّ أذكر أم أنثى أشقي أم سعيد؟ ما العمل ما الأجل ما الرزق وبأي أرض يموت؟ فيقال له : اذهب إلى أمّ الكتاب فإنك تجد فيها كل ذلك فيذهب فيجدها في أم الكتاب فينسخها فلا يزال معه حتى يأتي على آخر الصفة (١). (لِنُبَيِّنَ لَكُمْ) ، كمال (٢) قدرتنا وحكمتنا في تصريف أطوار خلقكم ولتستدلوا بقدرته في ابتداء الخلق على قدرته على الإعادة. وقيل : لنبين لكم ما تأتون وما تذرون وما تحتاجون إليه في العبادة ، (وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ ما نَشاءُ) ، فلا تمجه ولا تسقطه ، (إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) ، إلى وقت خروجها من الرحم تامة الخلق والمدة. (ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ) من بطون أمهاتكم (طِفْلاً) أي : صغارا ولم يقل أطفالا لأن العرب تذكر الجمع باسم الواحد. وقيل : تشبيها بالمصدر مثل عدل وزور. (ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ) يعني : الكمال والقوة ، (وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى) ، من قبل بلوغ الكبر ، (وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ) ، أي : الهرم والخرف ، (لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً) ، أي : يبلغ من السن ما يتغير عقله فلا يعقل شيئا ، ثم ذكر دليلا آخر على البعث فقال : (وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً) ، أي : يابسة لا نبات فيها ، (فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ) ، المطر ، (اهْتَزَّتْ) ، تحركت بالنبات وذلك أن الأرض ترتفع بالنبات فذلك تحركها ، (وَرَبَتْ) ، أي : ارتفعت وزادت ، وقرأ أبو جعفر : (وربأت) بالهمزة ، وكذلك في حم السجدة أي : ارتفعت وعلت ، قال المبرد : أراد اهتزوا بإنباتها فحذف المضاف ، والاهتزاز في النبات أظهر ، يقال : اهتز النبات أي : طال وإنما أنث لذكر الأرض. وقيل : فيه تقديم وتأخير معناه : ربت واهتزت ، (وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ) ، أي : صنف حسن يبهج به من رآه أي : يسر ، فهذا دليل آخر على البعث.
(ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتى وَأَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٦) وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها وَأَنَّ اللهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ (٧) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ (٨) ثانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ لَهُ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَذابَ الْحَرِيقِ (٩) ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ يَداكَ وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (١٠))
(ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُ) ، أي : لتعلموا أن الله هو الحق ، (وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتى وَأَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).
(وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها وَأَنَّ اللهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ) (٧).
(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ) ، يعني : النضر بن الحارث ، (وَلا هُدىً) ، بيان (وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ).
(ثانِيَ عِطْفِهِ) [أي](٣) : متبخترا لتكبره. وقال مجاهد وقتادة : لاوي عنقه. قال عطية وابن زيد : معرضا عمّا يدعى إليه تكبرا. وقال ابن جريج : يعرض عن الحق تكبرا. والعطف : الجانب ، وعطفا الرجل : جانباه عن يمين وشمال وهو الموضع الذي يعطفه الإنسان أي يلويه ويميله عند الإعراض عن الشيء ، نظيره قوله تعالى : (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا وَلَّى مُسْتَكْبِراً) [لقمان : ٧] ، وقال تعالى : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ
__________________
(١) في المطبوع «صفته».
(٢) في المطبوع «كما».
(٣) زيادة عن المخطوط.