ولم يضربوا الخيام ولم يطبخوا قدورا ، والناس ما بين باك أو جالس حزين متفكر ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أتدرون أي يوم ذاك؟ قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : ذاك يوم يقول الله لآدم قم فابعث بعث النار من ولدك ، قال فيقول آدم من كل كم فيقول الله عزوجل : من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين إلى النار وواحد إلى الجنة ، قال : فكبر ذلك على المسلمين وبكوا وقالوا : فمن ينجو إذا يا رسول الله؟ فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : أبشروا وسددوا وقاربوا فإن معكم خليقتين ما كانتا في قوم إلّا كثرتاه يأجوج ومأجوج ، ثم قال : إني لأرجو أن تكونوا ثلث أهل الجنة فكبروا وحمدوا الله ، ثم قال : إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة ، فكبروا وحمدوا الله ، ثم قال : إني لأرجو أن تكونوا ثلثي أهل الجنة وإن أهل الجنة مائة وعشرون صفا ثمانون منها أمتي ، وما المسلمون في الكفار إلا كالشامة في جنب البعير أو كالرقمة في ذراع الدابة ، بل كالشعرة السوداء في الثور الأبيض أو كالشعرة البيضاء في الثور الأسود ، ثم قال : ويدخل من أمتي سبعون ألفا الجنة بغير حساب ، فقال عمر : سبعون ألفا؟ قال : نعم ومع كل واحد سبعون ألفا ، فقام عكاشة بن محصن فقال : يا رسول الله ادع الله لي أن يجعلني منهم ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : أنت منهم ، [أو قال : اللهم اجعله منهم](١) ، فقام رجل [من الأنصار](٢) [فقال : يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم](٣) فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : سبقك بها عكاشة».
(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطانٍ مَرِيدٍ (٣) كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلاَّهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ (٤) يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ ما نَشاءُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (٥))
قوله : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ) ، نزلت في النضر بن الحارث ، كان كثير الجدل وكان يقول الملائكة بنات الله ، والقرآن أساطير الأولين ، وكان ينكر البعث وإحياء من صار ترابا. قوله تعالى : (وَيَتَّبِعُ) أي : ويتبع في جداله في الله بغير علم ، (كُلَّ شَيْطانٍ مَرِيدٍ) ، والمريد المتمرد الغالي العاتي والمستمر في الشر.
(كُتِبَ عَلَيْهِ) ، أي : قضي على الشيطان ، (أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ) اتبعه (فَأَنَّهُ) ، يعني الشيطان : (يُضِلُّهُ) ، أي : يضل من تولاه ، (وَيَهْدِيهِ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ) ، ثم ألزم الحجة منكري البعث فقال : (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ) ، يعني : في شك ، (مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ) ، يعني : أباكم آدم الذي هو أصل النسل ، (مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ) يعني : ذريته والنطفة هي المني وأصلها الماء القليل وجمعها نطاف ، (ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ) ، وهي الدم الغليظ المتجمد الطري ، وجمعها علق وذلك أن النطفة تصير دما غليظا ثم تصير لحما ، (ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ) ، وهي لحمة قليلة قدر ما يمضغ ، (مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ) ، قال ابن عباس وقتادة : مخلّقة أي تامة وغير مخلّقة غير تامة أي ناقصة الخلق. وقال مجاهد : مصورة وغير مصورة يعني السقط. وقيل : المخلّقة الولد الذي تأتي به المرأة لوقته ، وغير المخلقة السقط.
__________________
(١) زيد في المطبوع.
(٢) في المطبوع «منهم».
(٣) سقط من المطبوع.