(فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (٨٨) وَزَكَرِيَّا إِذْ نادى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ (٨٩) فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَوَهَبْنا لَهُ يَحْيى وَأَصْلَحْنا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كانُوا يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَيَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً وَكانُوا لَنا خاشِعِينَ (٩٠) وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيها مِنْ رُوحِنا وَجَعَلْناها وَابْنَها آيَةً لِلْعالَمِينَ (٩١) إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ (٩٢))
فذلك قوله عزوجل : (فَاسْتَجَبْنا لَهُ) ، أي : أجبناه ، (وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِ) ، من تلك الظلمات ، (وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ) ، من كل كرب إذا دعونا واستغاثوا بنا قرأ ابن عامر وعاصم برواية أبي بكر : (نجي) بنون واحدة وتشديد الجيم وتسكين الياء لأنها مكتوبة في المصحف بنون واحدة ، واختلف النحاة في هذه القراءة فذهب أكثرهم إلى أنها لحن لأنه لو كان على ما لم يسم فاعله لم تسكن الياء ورفع «المؤمنين» ، ومنهم من صوبها ، وذكر الفراء أن لها وجها آخر وهو إضمار المصدر ، أي نجا النجاة المؤمنين [ونصب المؤمنين](١) كقولك ضرب الضرب زيدا ، ثم تقول ضرب زيدا بالنصب على إضمار المصدر ، وسكن الياء في (نجي) كما يسكنون في بقي ونحوها.
قال القتيبي : من قرأ بنون واحدة والتشديد فإنما أراد ننجي من التنجية إلّا أنه أدغم وحذف نونا طلبا للخفة ولم يرضه النحويون لبعد مخرج النون من الجيم ، والإدغام يكون عند قرب المخرج ، وقرأ العامة (ننجي) بنونين من الإنجاء ، وإنما كتبت بنون واحدة لأن النون الثانية كانت ساكنة والساكن غير ظاهر على اللسان فحذفت كما فعلوا في إلّا حذفوا النون من إن لخفائها ، واختلفوا في أن رسالة يونس بن متّى متى كانت؟ فروى سعيد بن جبير عن ابن عباس : أنها كانت بعد أن أخرجه الله من بطن الحوت ، بدليل أن الله عزوجل ذكر في سورة الصافات ، (فَنَبَذْناهُ بِالْعَراءِ) ، ثم ذكر بعده : (وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ) [الصافات : ١٤٧] ، وقال الآخرون : إنها كانت من قبل بدليل قوله تعالى : (وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (١٣٩) إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ) (١٤٠) [الصافات : ١٣٩ ـ ١٤٠].
قوله عزوجل : (وَزَكَرِيَّا إِذْ نادى رَبَّهُ) ، أي دعا ربه ، (رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً) ، وحيدا لا ولد لي وارزقني وارثا ، (وَأَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ) ، أثنى على الله بأنه الباقي بعد فناء الخلق وأنه أفضل من بقي حيا.
(فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَوَهَبْنا لَهُ يَحْيى) ، ولدا (وَأَصْلَحْنا لَهُ زَوْجَهُ) ، أي جعلناها ولودا بعد ما كانت عقيما ، قاله أكثر المفسرين ، وقال بعضهم : كانت سيئة الخلق فأصلحها الله له بأن رزقها حسن الخلق. (إِنَّهُمْ) ، يعني الأنبياء الذين سمّاهم في هذه السورة ، (كانُوا يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَيَدْعُونَنا رَغَباً) ، طمعا ، (وَرَهَباً) ، خوفا ، رغبا في (٢) رحمة الله ، ورهبا من عذاب الله [عزوجل](٣) ، (وَكانُوا لَنا خاشِعِينَ) ، أي متواضعين ، قال قتادة : ذللا لأمر الله. قال مجاهد : الخشوع هو الخوف اللازم في القلب.
(وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها) ، حفظته (٤) من الحرام وأراد مريم بنت عمران ، (فَنَفَخْنا فِيها مِنْ
__________________
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) في المطبوع «من».
(٣) زيادة عن المخطوط.
(٤) في المطبوع «حفظت».