وقال الحسن : إنما غضب ربّه عزوجل من أجل أنه أمره بالمسير إلى قومه لينذرهم بأسه ويدعوهم إليه فسأل ربّه أن ينظره ليتأهب للشخوص إليهم ، فقيل له إن الأمر أسرع من ذلك حتى سأل أن ينظر إلا أن يأخذ نعلا يلبسها فلم ينظره. وكان في خلقه ضيق فذهب مغاضبا. وعن ابن عباس ، قال : أتى جبريل يونس فقال : انطلق إلى أهل نينوى فأنذرهم ، فقال التمس دابة قال الأمر أعجل من ذلك فغضب فانطلق إلى السفينة.
وقال وهب بن منبه : إن يونس بن متى كان عبدا صالحا وكان في خلقه ضيق ، فلما حمل عليه أثقال النبوة تفسخ تحتها تفسخ الربع تحت الحمل الثقيل فقذفها بين يديه ، وخرج هاربا منها ، فلذلك أخرجه الله من أولي العزم من الرسل وقال لنبيه محمد صلىاللهعليهوسلم : (فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ) [الأحقاف : ٣٥] [وقال](١) : (وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ) [القلم : ٤٨]. قوله : (فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ) ، أي لن نقضي عليه بالعقوبة ، قاله مجاهد وقتادة والضحاك والكلبي ، وهو رواية العوفي عن ابن عباس يقال : قدر الله الشيء تقديرا وقدر يقدر قدرا بمعنى واحد ، ومنه قوله : (نَحْنُ قَدَّرْنا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ) [الواقعة : ٦٠] في قراءة من خففها دليل هذا التأويل قراءة عمر بن عبد العزيز والزهري : (فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ) بالتشديد ، وقال عطاء وكثير من العلماء : معناه فظن أن لن نضيق عليه الحبس ، كقوله تعالى : (اللهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ) [الرعد : ٢٦] ، أي يضيق.
وقال ابن زيد : هو استفهام معناه فظن أنه يعجز ربّه ، فلا يقدر عليه.
وقرأ يعقوب يقدر بضم الياء على المجهول خفيف. وعن الحسن قال : بلغني أن يونس لما أصاب الذنب انطلق مغاضبا لربه واستنزله الشيطان حتى ظن أن لن نقدر عليه ، وكان له سلف وعبادة فأبى الله أن يدعه للشيطان ، فقذفه في بطن الحوت فمكث فيه أربعين من بين يوم وليلة. وقال عطاء : سبعة أيام. وقيل : ثلاثة أيام. وقيل : إن الحوت ذهب به مسيرة ستة آلاف سنة. وقيل : بلغ به تخوم الأرض السابعة فتاب إلى ربه تعالى في بطن الحوت ، وراجع نفسه فقال : لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ، حين عصيتك وما صنعت من شيء فلن أعبد غيرك فأخرجه الله من بطن الحوت برحمته ، والتأويلات المتقدمة أولى بحال الأنبياء أنه ذهب مغاضبا لقومه أو للملك ، (فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) ، يعني ظلمة الليل وظلمة البحر وظلمة بطن الحوت.
[١٤٣٨] وروي عن أبي هريرة مرفوعا : «أوحى الله إلى الحوت أن خذه ولا تخدش له لحما ولا تكسر له عظما فأخذه ثم هوى به إلى مسكنه في البحر ، فلما انتهى به إلى أسفل البحر سمع يونس حسا فقال في نفسه : ما هذا فأوحى الله إليه أن هذا تسبيح دواب البحر ، قال : فسبح وهو في بطن الحوت فسمعت الملائكة تسبيحه ، فقالوا : يا ربنا نسمع صوتا ضعيفا بأرض غريبة» ، وفي رواية : «صوتا معروفا من مكان مجهول ، فقال : ذاك عبدي يونس عصاني فحبسته في بطن الحوت ، فقالوا العبد الصالح الذي كان يصعد إليك منه في كل يوم وليلة عمل صالح؟ قال : نعم فشفعوا له ، عند ذلك فأمر الحوت فقذفه إلى الساحل ، كما قال الله تعالى : (فَنَبَذْناهُ بِالْعَراءِ وَهُوَ سَقِيمٌ) (١٤٥) [الصافات : ١٤٥].
__________________
[١٤٣٨] ـ ضعيف. أخرجه الطبري ٢٤٧٧٨ من حديث أبي هريرة ، وإسناده ضعيف ، فيه راو لم يسم ، والأشبه فيه الوقف ، والله أعلم.
(١) زيادة من المخطوط.