قوله تعالى : قوله تعالى : (وَمِنَ الشَّياطِينِ) ، يعني وسخرنا له من الشياطين ، (مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ) ، يعني يدخلون تحت الماء فيخرجون له من قعر البحر الجواهر ، (وَيَعْمَلُونَ عَمَلاً دُونَ ذلِكَ) ، يعني دون الغوص ، وهو ما ذكر الله عزوجل : (يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَتَماثِيلَ) [سبأ : ١٣] الآية. (وَكُنَّا لَهُمْ حافِظِينَ) ، حتى لا يخرجون عن أمره. وقال الزجاج : معناه حفظناهم من أن يفسدوا ما عملوا.
وفي القصة أن سليمان كان إذا بعث شيطانا مع إنسان ليعمل له عملا ، قال له إذا فرغ من عمله قبل الليل أشغله بعمل آخر لئلا يفسد ما عمل ، وكان من عادة الشياطين أنهم إذا فرغوا من العمل ولم يشتغلوا بعمل آخر خربوا ما عملوا وأفسدوه.
قوله تعالى : (وَأَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ) ، يعني دعا ربه.
قال وهب بن منبه : كان أيوب [عليهالسلام](١) رجلا من الروم وهو أيوب بن أموص بن تارخ (٢) بن روم بن عيص بن إسحاق بن إبراهيم ، وكانت أمه من ولد لوط بن هاران ، وكان الله قد اصطفاه ونبأه وبسط عليه الدنيا ، وكانت له البثنية من أرض الشام كلها سهلها وجبلها وكان له فيها من أصناف المال كله من البقر والإبل والغنم والخيل والحمر ما لا يكون لرجل أفضل منه من العدة والكثرة ، وكان له خمسمائة فدان يتبعها خمسمائة عبد لكل عبد امرأة وولد ومال ، ويحمل آلة (٣) كل فدان أتان ولكل (٤) أتان من الولد اثنان وثلاثة وأربعة وخمسة ، وفوق ذلك ، وكان الله أعطاه أهلا وولدا من رجال ونساء ، وكان برا تقيا رحيما بالمساكين يطعم المساكين ويكفل الأرامل والأيتام ويكرم الضيف ويبلغ ابن السبيل ، وكان شاكرا لأنعم الله مؤديا لحق الله ، قد امتنع من عدو الله إبليس أن يصيب منه ما يصيب من أهل الغنى من الغرة والغفلة والتشاغل عن أمر الله بما هو فيه من الدنيا ، وكان معه ثلاثة نفر قد آمنوا به وصدقوه رجل من أهل اليمن يقال : اليقن (٥) ، ورجلان من أهل بلده يقال لأحدهما يلدد والآخر صافر ، وكانوا كهولا وكان إبليس لا يحجب عن شيء من السموات ، وكان يقف فيهن حيث ما أراد حتى رفع الله عيسى فحجب عن أربع سماوات ، فلما بعث محمد صلىاللهعليهوسلم حجب من الثلاث الباقية ، فسمع إبليس تجاوب الملائكة بالصلاة على أيوب وذلك حين ذكره الله وأثنى عليه فأدركه البغي والحسد فصعد سريعا حتى وقف من السماء موقفا كان يقفه ، فقال إلهي نظرت في أمر عبدك أيوب فوجدته عبدا أنعمت عليه فشكرك وعافيته فحمدك ، فلو ابتليته بنزع ما أعطيته لحال عمّا هو عليه من شكرك وعبادتك ، ولخرج من طاعتك ، قال الله عزوجل : انطلق فقد سلطتك على ماله فانقض عدو الله إبليس حتى وقع إلى الأرض ، ثم جمع عفاريت الجن ومردة الشياطين ، وقال لهم : ما ذا عندكم من القوة فإني قد سلطت على مال أيوب وهي المصيبة الفادحة والفتنة التي لا يصبر عليها الرجال ، فقال عفريت من الشياطين أعطيت من القوة ما إذا شئت تحولت إعصارا من نار وأحرقت كل شيء آتي عليه ، فقال له إبليس : فأت الإبل ورعاتها ، فأتى الإبل حين وضعت رءوسها وثبتت في مراعيها ، فلم يشعر الناس حتى ثار من تحت الأرض إعصار من
__________________
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) في المطبوع «زارخ».
(٣) في المخطوط «له».
(٤) في المطبوع «وكل».
(٥) في المطبوع وحده «الثغر».