فسجدوا لها ، ثم عادوا إلى منازلهم ، فلما كان ذلك العيد قال أبو إبراهيم له يا إبراهيم لو خرجت معنا إلى عيدنا لأعجبك (١) ديننا فخرج معهم إبراهيم فلما كان ببعض الطريق ألقى نفسه ، وقال إني سقيم ، يقول اشتكى رجله فلما مضوا نادى إبراهيم في آخرهم وقد بقي ضعفاء الناس ، (وَتَاللهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ) فسمعوها منه ثم رجع إبراهيم إلى بيت الآلهة وهنّ في بهو عظيم مستقبل باب البهو صنم عظيم إلى جنبه صنم أصغر منه والأصنام بعضها إلى جنب بعض كل صنم يليه أصغر منه إلى باب البهو ، وإذا هم قد جعلوا طعاما فوضعوه بين يدي الآلهة ، وقالوا : إذا رجعنا وقد برّكت الآلهة في طعامنا أكلنا [منه](٢) ، فلما نظر إليهم إبراهيم وإلى ما بين أيديهم من الطعام ، قال لهم على طريق الاستهزاء ألا تأكلون ، فلما لم تجبه قال ما لكم لا تنطقون ، فراغ عليهم ضربا باليمين ، وجعل يكسرهم بفأس في يده حتى إذا لم يبق إلّا الصنم الأكبر علق الفأس في عنقه ثم خرج ، فذلك قوله عزوجل :
(فَجَعَلَهُمْ جُذاذاً إِلاَّ كَبِيراً لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ (٥٨) قالُوا مَنْ فَعَلَ هذا بِآلِهَتِنا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ (٥٩) قالُوا سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ (٦٠) قالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ (٦١) قالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هذا بِآلِهَتِنا يا إِبْراهِيمُ (٦٢) قالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ (٦٣) فَرَجَعُوا إِلى أَنْفُسِهِمْ فَقالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ (٦٤))
(فَجَعَلَهُمْ جُذاذاً) ، قرأ الكسائي جذاذا بكسر الجيم أي كسرا وقطعا جمع جذيذ ، وهو الهشيم (٣) مثل خفيف وخفاف ، وقرأ الآخرون بضمها ، مثل الحطام والرفات ، (إِلَّا كَبِيراً لَهُمْ) ، فإنه لم يكسره ووضع الفأس في عنقه ، وقيل ربطه بيده وكانت اثنين وسبعين صنما بعضها من ذهب وبعضها من فضة وبعضها من حديد وبعضها من رصاص وشبة وخشب وحجر ، وكان الصنم الكبير من الذهب مكلّلا بالجواهر في عينيه ياقوتتان تتقدان. قوله تعالى : (لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ) ، قيل : معناه لعلّهم يرجعون إلى دينه وإلى ما يدعوهم إليه إذا علموا ضعف الآلهة وعجزها ، وقيل : لعلّهم إليه يرجعون فيسألونه ، فلما رجع القوم من عيدهم إلى بيت آلهتهم ورأوا الأصنام جذاذا :
(قالُوا مَنْ فَعَلَ هذا بِآلِهَتِنا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ) ، يعني من المجرمين.
(قالُوا) يعني [الضعفاء](٤) الذين سمعوا قول إبراهيم وتالله لأكيدن أصنامكم ، (سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ) ، يعيبهم ويسبهم ، (يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ) ، هو الذي نظن أنه صنع هذا ، فبلغ ذلك نمرود الجبار وأشراف قومه.
(قالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلى أَعْيُنِ النَّاسِ) ، قاله نمرود يقول جيئوا به ظاهرا بمرأى من الناس ، (لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ) ، عليه أنه الذي فعله ، وكرهوا أن يأخذوه بغير بيّنة ، قاله الحسن وقتادة والسدي ، وقال محمد بن إسحاق (لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ) أي يحضرون عقابه وما يصنع به فلما أتوا به.
(قالُوا) ، له (أَأَنْتَ فَعَلْتَ هذا بِآلِهَتِنا يا إِبْراهِيمُ).
__________________
(١) في المطبوع «أعجبك».
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) في المطبوع «الهشم».
(٤) زيادة عن المخطوط.