أحضرناها لنجازي بها.
(وَكَفى بِنا حاسِبِينَ) ، قال السدي : محصين ، والحسب معناه : العدل ، وقال ابن عباس رضي الله عنهما : عالمين حافظين ، لأن من حسب شيئا علمه وحفظه.
(وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ) ، يعني الكتاب المفرّق بين الحق والباطل ، وهو التوراة. وقال ابن زيد : الفرقان النصر (١) على الأعداء ، كما قال الله تعالى : (وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ) [الأنفال : ٤١] ، يعني يوم بدر لأنه قال (وَضِياءً) ، أدخل الواو فيه أي آتينا موسى النصر والضياء ، وهو التوراة. ومن قال : المراد بالفرقان التوراة ، قال : الواو في قوله : (وَضِياءً) ، زائدة مقحمة ، معناه : آتيناه التوراة ضياء ، وقيل : هو صفة أخرى للتوراة ، (وَذِكْراً) ، تذكيرا ، (لِلْمُتَّقِينَ).
(الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ) ، أي يخافونه ولم يروه ، (وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ) ، خائفون.
(وَهذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ أَنْزَلْناهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (٥٠) وَلَقَدْ آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عالِمِينَ (٥١) إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ما هذِهِ التَّماثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَها عاكِفُونَ (٥٢) قالُوا وَجَدْنا آباءَنا لَها عابِدِينَ (٥٣) قالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٥٤) قالُوا أَجِئْتَنا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللاَّعِبِينَ (٥٥) قالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلى ذلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (٥٦) وَتَاللهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ (٥٧))
(وَهذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ) ، يعني القرآن وهو ذكر لمن تذكر به مبارك لمن يتبرك به ويطلب منه الخير ، (أَنْزَلْناهُ أَفَأَنْتُمْ) ، يا أهل مكة ، (لَهُ مُنْكِرُونَ) ، جاحدون ، وهذا استفهام توبيخ وتعيير.
قوله عزوجل : (وَلَقَدْ آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ) ، قال القرطبي : أي صلاحه ، (مِنْ قَبْلُ) ، يعني من قبل موسى وهارون ، وقال المفسرون : رشده من قبل ، أي هداه من قبل البلوغ ، وهو حين خرج من السرب وهو صغير ، يريد هديناه صغيرا كما قال تعالى ليحيى عليهالسلام : (وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا) [مريم : ١٢] ، (وَكُنَّا بِهِ عالِمِينَ) ، أنه أهل للهداية والنبوة.
(إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ما هذِهِ التَّماثِيلُ) ، أي الصور ، يعني الأصنام (الَّتِي أَنْتُمْ لَها عاكِفُونَ) ، يعني على عبادتها مقيمون.
(قالُوا وَجَدْنا آباءَنا لَها عابِدِينَ) (٥٣) ، فاقتدينا بهم.
قال ، إبراهيم ، (لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) ، خطأ بيّن بعبادتكم إيّاها.
(قالُوا أَجِئْتَنا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ) (٥٥) ، يعنون أصادق (٢) أنت فيما تقول أم لاعب؟
(قالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَ) ، خلقهن ، (وَأَنَا عَلى ذلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ) ، يعني على أنه الإله الذي لا يستحق العبادة غيره. وقيل : من الشاهدين على أنه خالق السموات والأرض.
(وَتَاللهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ) ، لأمكرنّ بها ، (بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ) ، يعني بعد أن تدبروا منطلقين إلى عيدكم. قال مجاهد وقتادة : إنما قال إبراهيم هذا سرا من قومه ولم يسمع ذلك إلّا رجل واحد فأفشاه عليه ، وقال : إنا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم.
قال السدي : كان لهم في كل سنة مجمع وعيد فكانوا إذا رجعوا من عيدهم دخلوا على الأصنام
__________________
(١) في المخطوط «الناصر».
(٢) في المطبوع «أجاد».