(وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً) ، قال الحسن لم نجد له صبرا عمّا نهي عنه وقال عطية العوفي : حفظا لما أمر به. وقال ابن قتيبة : رأيا معزوما حيث أطاع عدوه إبليس الذي حسده وأبى أن يسجد له ، والعزم في اللغة هو توطين النفس على الفعل ، قال أبو أمامة الباهلي : لو وزن حلم آدم وحلم (١) جميع ولده لرجع حلمه ، وقد قال الله : (وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً) ، فإن قيل : أتقولون إن آدم كان ناسيا لأمر الله حين أكل من الشجرة؟ قيل : يجوز أن يكون نسي أمره ، ولم يكن النسيان في ذلك الوقت مرفوعا عن الإنسان بل كان مؤاخذا به ، وإنما رفع عنّا ، وقيل : نسي عقوبة الله وظن أنه نهاه تنزيها.
قوله تعالى : (وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى) (١١٦) ، أن يسجد.
(فَقُلْنا يا آدَمُ إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ) ، حواء ، (فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى) ، يعني تتعب وتنصب ، ويكون عيشك من كد يمينك بعرق جبينك. قال السدي : يعني الحرث والزرع والحصيد والطحن والخبز. وعن سعيد بن جبير : قال أهبط إلى آدم ثور أحمر فكان يحرث عليه ويمسح العرق عن جبينه ، فذلك شقاؤه ، ولم يقل : فتشقيا رجوعا به إلى آدم لأن تعبه أكثر فإن الرجل هو الساعي على زوجته. وقيل : لأجل رءوس الآي.
(إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيها) ، أي في الجنة (وَلا تَعْرى).
(وَأَنَّكَ) ، قرأ نافع وأبو بكر بكسر الألف على الاستئناف ، وقرأ الآخرون بالفتح نسقا على قوله : (أَلَّا تَجُوعَ فِيها لا تَظْمَؤُا) ، لا تعطش ، (فِيها وَلا تَضْحى) ، يعني لا تبرز للشمس فيؤذيك حرها. وقال عكرمة : لا تصيبك الشمس وأذاها ، لأنه ليس في الجنة شمس ، وأهلها في ظل ممدود.
(فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطانُ قالَ يا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلى (١٢٠) فَأَكَلا مِنْها فَبَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى (١٢١) ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَهَدى (١٢٢) قالَ اهْبِطا مِنْها جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقى (١٢٣) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى (١٢٤) قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً (١٢٥))
(فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطانُ قالَ يا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ) ، يعني على شجرة إن أكلت منها بقيت مخلدا ، (وَمُلْكٍ لا يَبْلى) ، لا يبيد ولا يفنى.
(فَأَكَلا) ، يعني آدم وحواء عليهماالسلام ، (مِنْها فَبَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ) ، [بأكله من](٢) الشجرة ، (فَغَوى) ، يعني فعل ما لم يكن له فعله. وقيل : أخطأ طريق الحق وضل حيث طلب الخلد بأكل ما نهي عن أكله ، فخاب ولم ينل مراده. وقال ابن الأعرابي : أي فسد عليه عيشه وصار من العزّ إلى الذل ، ومن الراحة إلى التعب. قال ابن قتيبة : يجوز أن يقال عصى آدم ولا يجوز أن يقال آدم عاص لأنه إنما يقال عاص لمن اعتاد فعل المعصية ، كالرجل يخيط ثوبه ويقال خاط ثوبه ولا يقال هو خياط حتى يعاود ذلك ويعتاده.
__________________
(١) في المطبوع «بحلم».
(٢) في المطبوع «بأكل».