(وَكانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ) أي : قومه. وقيل : أهله جميع أمته ، (بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ) ، قال ابن عباس : يريد التي افترضها الله تعالى عليهم ، وهي الحنيفية التي افترضت علينا ، (وَكانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا) ، قائما لله بطاعته وقيل : رضيه الله عزوجل لنبوته ورسالته.
قوله : (وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِدْرِيسَ) ، وهو جدّ أبي نوح ، واسمه أخنوخ ، سمي إدريس لكثرة درسه الكتب.
وكان خياطا وهو أول من خطّ بالقلم ، وأول من خاط الثياب ، ولبس الثياب المخيطة ، وكانوا من قبله يلبسون الجلود ، وأول من اتخذ السلاح ، وقاتل الكفار ، وأول من نظر في علم النجوم والحساب (إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا).
(وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا) (٥٧) ، قيل : هي الجنة. وقيل : هي الرفعة بعلو الرتبة في الدنيا. وقيل : إنه رفع إلى السماء الرابعة.
[١٣٩٥] روى أنس بن مالك عن مالك بن صعصعة عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه رأى إدريس في السماء الرابعة ليلة المعراج.
وكان سبب رفع إدريس على ما قاله كعب وغيره ، أنه سار ذات يوم في حاجة فأصابه وهج الشمس ، فقال : يا رب إني مشيت يوما واحدا فأصابني المشقة الشديدة من وهج الشمس وأضرّني حرّها ضررا بليغا ، فكيف بمن يحملها مسيرة خمسمائة عام في يوم واحد ، اللهمّ خفف عنه من ثقلها وحرّها ، فلما أصبح الملك وجد من خفة الشمس وحرها ما لم يعرف. فقال : يا رب ما الذي قضيت فيه حتى خففت عنّي ما أنا فيه؟ قال : إن عبدي إدريس سألني أن أخفف عنك حملها وحرها فأجبته ، فقال : يا رب اجعل بيني وبينه خلّة ، فأذن له حتى أتى إدريس ، فكان يسأله إدريس ، فقال له [يوما](١) إني أخبرت أنك أكرم الملائكة وأمكنهم عند ملك الموت ، فاشفع لي إليه ليؤخر أجلي ، فأزداد شكرا وعبادة ، فقال الملك : لا يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها ، وأنا مكلمه [في ذلك إن شاء الله فقال له ارفعني إلى السماء](٢) فرفعه إلى السماء ووضعه عند مطلع الشمس ، ثم أتى ملك الموت فقال لي حاجة إليك ، فقال : وما هي؟ قال صديق لي من بني آدم تشفع بي إليك لتؤخر أجله ، قال : ليس ذلك إليّ ولكن إن أحببت أعلمته أجله متى يموت ، فيقدم لنفسه ، فقال : نعم ، فنظر في ديوانه فقال : إنك كلمتني في إنسان ما أراه يموت أبدا [في الأرض](٣) ، قال : وكيف ذلك؟ قال : لا أجده يموت إلا عند مطلع الشمس ، قال : فإني أتيتك وتركته هناك ، قال : فانطلق فلا أراك تجده إلّا وقد مات ، فو الله ما بقي من أجل إدريس شيء ، فرجع الملك فوجده ميتا.
واختلفوا في أنه حي في السماء أم ميت؟ فقال قوم : هو ميت ، وقال قوم : هو حي ، وقالوا : أربعة من الأنبياء في الأحياء اثنان في الأرض : الخضر وإلياس (٤) ، واثنان في السماء : إدريس وعيسى.
وقال وهب : كان يرفع لإدريس كل يوم من العبادة مثل ما يرفع لجميع أهل الأرض في زمانه
__________________
[١٣٩٥] ـ تقدم في تفسير سورة الإسراء ، متفق عليه.
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) زيادة عن المخطوط.
(٤) هذه آثار إسرائيلية.