قوله عزوجل : (إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْها) ، أي نميت سكان الأرض ونهلكهم جميعا ، ويبقى الرب وحده فيرثهم ، (وَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ) ، فيجزيهم بأعمالهم.
(وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِبْراهِيمَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا) (٤١) ، الصديق الكثير الصدق القائم عليه. وقيل : من صدّق الله في وحدانيته ، وصدّق أنبياءه ورسله ، وصدق بالبعث ، وقام بالأوامر فعمل بها ، فهو الصديق. والنبي العالي في الرتبة بإرسال الله تعالى إيّاه.
قوله تعالى : (إِذْ قالَ) ، إبراهيم ، (لِأَبِيهِ) ، آزر وهو يعبد الأصنام ، (يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ) ، صوتا ، (وَلا يُبْصِرُ) ، شيئا ، (وَلا يُغْنِي عَنْكَ) ، أي لا يكفيك ، (شَيْئاً).
(يا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ) ، بالله والمعرفة ، (ما لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي) ، على ديني ، (أَهْدِكَ صِراطاً سَوِيًّا) ، مستقيما.
(يا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطانَ إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلرَّحْمنِ عَصِيًّا (٤٤) يا أَبَتِ إِنِّي أَخافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذابٌ مِنَ الرَّحْمنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطانِ وَلِيًّا (٤٥) قالَ أَراغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يا إِبْراهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا (٤٦))
(يا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطانَ) ، لا تطعه فيما يزين لك من الكفر والشرك ، (إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلرَّحْمنِ عَصِيًّا) ، عاصيا ، كان بمعنى الحال ، أي هو كذلك.
(يا أَبَتِ إِنِّي أَخافُ) ، أي أعلم ، (أَنْ يَمَسَّكَ) ، يصيبك ، (عَذابٌ مِنَ الرَّحْمنِ) ، إن أقمت على الكفر ، (فَتَكُونَ لِلشَّيْطانِ وَلِيًّا) ، قرينا في النار.
(قالَ) أبوه مجيبا له ، (أَراغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يا إِبْراهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ) ، لئن لم تسكن وترجع عن عيبك آلهتنا وشتمك إيّاها ، (لَأَرْجُمَنَّكَ) ، قال الكلبي ومقاتل والضحاك : لأشتمنّك ولأبعدنّك عني بالقول القبيح. قال ابن عباس : لأضربنّك. وقال الحسن : لأقتلنّك بالحجارة. (وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا) ، قال الكلبي : اجتنبني طويلا. وقال مجاهد وعكرمة : حينا ، وقال سعيد بن جبير : دهرا. أصله المكث ، ومنه يقال : تمليت حينا ، والملوان : الليل والنهار. وقال قتادة وعطاء : سالما. وقال ابن عباس : اعتزلني سالما لا تصيبك مني معرّة ، يقال : فلان ملي بأمر كذا إذا كان كافيا.
(قالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا (٤٧) وَأَعْتَزِلُكُمْ وَما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ وَأَدْعُوا رَبِّي عَسى أَلاَّ أَكُونَ بِدُعاءِ رَبِّي شَقِيًّا (٤٨) فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلاًّ جَعَلْنا نَبِيًّا (٤٩) وَوَهَبْنا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنا وَجَعَلْنا لَهُمْ لِسانَ صِدْقٍ عَلِيًّا (٥٠) وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مُوسى إِنَّهُ كانَ مُخْلَصاً وَكانَ رَسُولاً نَبِيًّا (٥١) وَنادَيْناهُ مِنْ جانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْناهُ نَجِيًّا (٥٢))
(قالَ) إبراهيم (سَلامٌ عَلَيْكَ) ، أي سلمت مني لا أصيبك بمكروه ، وذلك أنه لم يؤمر بقتاله على كفره. وقيل : هذا سلام هجران ومفارقة. وقيل : سلام برّ ولطف ، وهو جواب الحليم للسفيه. قال الله تعالى : (وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً) [الفرقان : ٦٣]. (سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي) ، قيل : إنه لما أعياه أمره ووعده أن يراجع الله فيه ، فيسأله أن يرزقه التوحيد ويغفر له ، معناه سأسأل الله تعالى لك توبة تنال بها المغفرة. (إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا) ، برّا لطيفا. قال الكلبي : عالما يستجيب لي إذا دعوته. قال مجاهد : عوّدني الإجابة لدعائي.