قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ).
[١٣٨١] روينا عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «إذا سألتم الله فاسألوه الفردوس ، فإنه أوسط الجنة ، وأعلى الجنة ، وفوقه عرش الرحمن ، ومنه تفجر أنهار الجنة».
[و] قال كعب : ليس في الجنان جنة أعلى من جنة الفردوس فيها الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر.
وقال قتادة : الفردوس ربوة الجنة وأوسطها أفضلها (١) وأرفعها. قال كعب : الفردوس هو البستان الذي فيه الأعناب. وقال مجاهد : هو البستان بالرومية. وقال عكرمة : هي الجنة بلسان الحبشة. وقال الزجاج : هو بالرومية منقول إلى لفظ العربية ، وقال الضحاك : هي الجنة الملتفة الأشجار. وقيل : هي الروضة المستحسنة. وقيل : هي التي تنبت ضروبا من النبات ، وجمعه فراديس ، (نُزُلاً) ، أي منزلا.
وقيل : ما يهيأ للنازل على معنى كانت لهم ثمار جنات الفردوس ونعيمها نزلا ، ومعنى كانت لهم أي في علم الله قبل أن يخلقوا.
(خالِدِينَ فِيها لا يَبْغُونَ) ، لا يطلبون ، (عَنْها حِوَلاً) ، أي تحولا (٢) إلى غيرها. قال ابن عباس : لا يريدون أن يتحولوا عنها كما ينتقل الرجل من دار إذا [لم] توافقه إلى دار أخرى.
(قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي).
قال ابن عباس : قالت اليهود يا محمد تزعم أنا قد أوتينا الحكمة ، وفي كتابك ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا ، ثم تقول : وما أوتيتم من العلم إلا قليلا؟ فأنزل الله هذه الآية.
وقيل : لما نزلت : (وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً) [الإسراء : ٨٥] ، قالت اليهود : أوتينا التوراة وفيها علم كل شيء ، فأنزل الله : (قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً) سمي المداد مدادا لإمداد الكاتب ، وأصله من الزيادة ومجيء الشيء بعد الشيء.
قال مجاهد : لو كان البحر مدادا للقلم والقلم يكتب ، (لَنَفِدَ الْبَحْرُ) ، أي ماؤه ، (قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ) ، قرأ حمزة والكسائي (يَنْفَدُ) بالياء لتقدم الفعل ، والباقون بالتاء ، (لِكَلِماتِ رَبِّي) ، أي علمه وحكمه ، (وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً) ، معناه لو كان الخلائق يكتبون والبحر يمدهم لنفد [ماء](٣) البحر ولم تنفد كلمات الله ، ولو جئنا بمثله [أي](٤) البحر في كثرته مدادا وزيادة ، نظيره قوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللهِ) [لقمان : ٢٧].
(قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) ، قال ابن عباس : علّم الله رسوله التواضع لئلا يزهو على خلقه ، فأمره أن يقر فيقول : «إني آدمي مثلكم إلّا إني خصصت بالوحي وأكرمني الله به ، يوحى إليّ أنّما إلهكم إله واحد لا شريك له» ، (فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ) ، أي يخاف المصير إليه. وقيل : يأمل رؤية ربه ، فالرجاء يكون بمعنى الخوف والأمل جميعا ، قال الشاعر :
__________________
[١٣٨١] ـ تقدم في تفسير سورة النساء عند آية : ٩٦.
(١) في المطبوع «أقصاها».
(٢) في المخطوط «تحويلا».
(٣) زيادة عن المخطوط.
(٤) في المطبوع «مدادا بمثل ماء».