حماة ، وهي الطينة السوداء ، وسأل معاوية كعبا كيف تجد في التوراة أين (١) تغرب الشمس؟ قال : أجد في التوراة أنها تغرب في ماء وطين. وقال القتيبي : يجوز أن يكون معنى قوله : (فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ) أي عندها عين حمئة أو في رأي العين. (وَوَجَدَ عِنْدَها قَوْماً) ، أي عند العين أمة ، قال ابن جريج : مدينة لها اثنا عشر ألف باب ، لو لا ضجيج أهلها لسمعت وجبة الشمس حين تجب. (قُلْنا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ) ، استدل بها (٢) من زعم أنه كان نبيا فإن الله تعالى خاطبه ، والأصح أنه لم يكن نبيا والمراد منه الإلهام ، (إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ) ، يعني إمّا أن تقتلهم إن لم يدخلوا في الإسلام ، (وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً) ، يعني تعفو وتصفح. وقيل : تأسرهم فتعلمهم الهدى ، خيّره الله بين الأمرين.
(قالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ) [أي] كفر ، (فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ) ، أي : نقتله ، (ثُمَّ يُرَدُّ إِلى رَبِّهِ) ، في الآخرة (فَيُعَذِّبُهُ عَذاباً نُكْراً) أي : منكرا يعني بالنار ، والنار أنكر من القتل.
(وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُ جَزاءً الْحُسْنى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنا يُسْراً (٨٨) ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً (٨٩) حَتَّى إِذا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَطْلُعُ عَلى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِها سِتْراً (٩٠) كَذلِكَ وَقَدْ أَحَطْنا بِما لَدَيْهِ خُبْراً (٩١))
(وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُ جَزاءً الْحُسْنى) ، قرأ حمزة والكسائي [وحفص](٣) ويعقوب (جَزاءً) منصوبا منونا أي : فله الحسنى (جَزاءً) نصب على المصدر ، وقرأ الآخرون بالرفع على الإضافة ، والحسنى الجنة وإضافة الحسن إليها كما قال : (وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ) [يوسف : ١٠٩] ، والدار (٤) هي الآخرة. وقيل : المراد بالحسنى على هذه القراءة الأعمال الصالحة. أي له جزاء الأعمال الصالحة. (وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنا يُسْراً) ، أي نلين له القول ونعامله باليسر من أمرنا. وقال مجاهد : يسرا أي معروفا (ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً) (٨٩) ، أي سلك طرقا ومنازل.
(حَتَّى إِذا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ) ، أي موضع طلوعها ، (وَجَدَها تَطْلُعُ عَلى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِها سِتْراً) ، قال قتادة والحسن : لم يكن بينهم وبين الشمس ستر ، وذلك أنهم كانوا في مكان لا يستقر عليه بناء ، فكانوا يكونون في أسراب لهم حتى إذا زالت الشمس عنهم خرجوا إلى معايشهم وحروثهم. وقال الحسن : كانوا إذا طلعت الشمس يدخلون الماء ، فإذا ارتفعت عنهم خرجوا فرعوا كالبهائم. وقال الكلبي : هم قوم عراة يفترش أحدهم إحدى أذنيه ويلتحف بالأخرى.
قوله عزوجل : (كَذلِكَ) ، قيل : معناه كما بلغ مغرب الشمس كذلك بلغ مطلعها ، والصحيح أن معناه كما حكم في القوم الذين هم عند مغرب الشمس كذلك حكم في الذين هم عند مطلع الشمس ، (وَقَدْ أَحَطْنا بِما لَدَيْهِ خُبْراً) ، يعني : بما عنده ومعه من الجند والعدة والآلات «خبرا» أي علما.
(ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً (٩٢) حَتَّى إِذا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِما قَوْماً لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً (٩٣) قالُوا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (٩٤))
(ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً حَتَّى إِذا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ) ، قرأ ابن كثير وأبو عمرو وحفص (السَّدَّيْنِ) و «سدا» هاهنا بفتح
__________________
(١) تصحف في المطبوع «أن».
(٢) في المطبوع «يستدل بها».
(٣) في المطبوع «أبو جعفر يعقوب».
(٤) تصحف في المطبوع «والدار».