أريوس وأصحابه سجودا وحمدوا الله الذي أراهم آية من آياته ، ثم كلم بعضهم
بعضا وأنبأهم الفتية عن الذي لقوا من ملكهم دقيانوس [من إكراههم على عبادة الأوثان
والذبح للطواغيت وإخفاء إيمانهم منه وهروبهم إلى الكهف] ، ثم إن أريوس وأصحابه بعثوا بريدا إلى ملكهم الصالح
بيدروس أن عجل لعلك تنظر إلى آية من آيات الله جعلها الله في ملكك وجعلها آية
للعالمين لتكون لهم نورا وضياء وتصديقا للبعث فاعجل إلى فتية بعثهم الله عزوجل ، وقد كان توفاهم منذ أكثر من ثلاثمائة سنة فلما أتى
الملك الخبر رجع إليه عقله وذهب عنه غمه فقال أحمدك الله رب السموات والأرض وأعبدك
وأسبح لك تطولت علي ورحمتني فلم تطفئ النور الذي كنت جعلته لآبائي وللعبد الصالح
بيدروس الملك.
فلما نبأ به
أهل المدينة ركبوا إليه وساروا معه حتى أتوا مدينة أقسوس فتلقاهم أهل المدينة
وساروا معه حتى صعدوا نحو الكهف ، فلما رأى الفتية بيدروس فرحوا به وخرجوا سجدا
على وجوههم ، وقام بيدروس قدامهم ثم اعتنقهم وبكى وهم جلوس بين يديه على الأرض
يسبحون الله ويحمدون ، ثم قال الفتية لبيدروس : نستودعك الله والسلام عليك ورحمة
الله وبركاته حفظك الله وحفظ ملكك ، ونعيذك بالله من شرّ الإنس والجن ، فبينما
الملك قائم إذ رجعوا إلى مضاجعهم فناموا وتوفى الله تعالى أنفسهم.
وقام الملك
إليهم فجعل ثيابهم عليهم وأمر أن يجعل كل رجل منهم في تابوت من ذهب فلما أمسى ونام
أتوه في المنام ، فقالوا له : إننا لم نخلق من ذهب ولا من فضة ولكنا خلقنا من تراب
إلى التراب نصير فاتركنا كما كنا في الكهف على التراب حتى يبعثنا الله منه.
فأمر الملك
حينئذ بتابوت من ساج فجعلوا فيه وحجبهم الله حين خرجوا من عندهم بالرعب فلم يقدر
أحد على أن يدخل عليهم فأمر الملك فجعل على باب الكهف مسجدا يصلي فيه وجعل لهم
عيدا عظيما وأمر أن يؤتى كل سنة.
وقيل : إن
تمليخا لما حمل إلى الملك الصالح قال له الملك من أنت قال : أنا رجل من أهل هذه
المدينة وذكر أنه خرج أمس أو منذ أيام وذكر منزله وأقواما لم يعرفهم أحد وكان
الملك قد سمع أن فتية فقدوا في الزمن الأول وأن أسماءهم مكتوبة على اللوح بالخزانة
، فدعا باللوح وقد نظر في أسمائهم فإذا هو من أولئك القوم ، وذكر أسماء الآخرين
فقال تمليخا هم أصحابي.
فلما سمع الملك
ذلك ركب ومن معه من القوم فلما أتوا باب الكهف قال تمليخا دعوني حتى أدخل على
أصحابي فأبشرهم فإنهم إن رأوكم معي أرعبتموهم ، فدخل فبشرهم فقبض الله أرواحهم
وأعمى عليهم أثرهم فلم يهتدوا إليهم مرة ثانية ، وذلك قوله عزوجل : (إِذْ أَوَى
الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ) أي : صاروا إلى الكهف ، يقال أوى فلان إلى موضع كذا أي
: اتخذه منزلا ، إلى الكهف ، وهو غار في جبل مخلوس واسم الكهف جيرم .
(فَقالُوا رَبَّنا
آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً). ومعنى الرحمة الهداية في الدين. وقيل : الرزق ، (وَهَيِّئْ لَنا) ، يسر لنا ، (مِنْ أَمْرِنا
رَشَداً) ، أي : ما نلتمس من خير رضاك وما فيه رشدنا ، وقال ابن
عباس : رشدا أي : مخرجا من الغار في سلامة.
(فَضَرَبْنا عَلَى
آذانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً (١١) ثُمَّ بَعَثْناهُمْ لِنَعْلَمَ
أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً (١٢) نَحْنُ
__________________