فقال له أحدهما و [قد](١) نظر إليه نظرا شديدا : أتظن [يا هذا](٢) أنا نرسلك ونصدقك بأن هذا مال أبيك ونقش هذا الورق وضربها أكثر من ثلاثمائة سنة ، وإنما أنت غلام شاب أتظن أنك تأفكنا وتسخر بنا ونحن شيوخ كما ترى ، وحولك سراة أهل المدينة وولاة أمرها وخزائن هذه البلدة بأيدينا ، وليس عندنا من هذا الضرب درهم ولا دينار ، وإني لأظنني سآمر بك فتعذب عذابا شديدا ، ثم أوثقك حتى تعترف (٣) بهذا الكنز الذي وجدته.
فلما قال ذلك قال لهم تمليخا : أنبئوني عن شيء أسألكم عنه فإن فعلتم صدقتكم عمّا عندي ، قالوا : سل لا نكتمك شيئا ، قال لهم : ما فعل الملك دقيانوس؟ قالوا : لا نعرف اليوم على وجه الأرض ملك يسمى دقيانوس ، ولم يكن إلا ملك هلك منذ زمان ودهر طويل وهلكت بعده قرون كثيرة.
فقال تمليخا : إني إذا لحيران وما يصدقني أحد من الناس بما أقول ، لقد كنا فتية [على دين واحد وهو الإسلام] وإن الملك أكرهنا على عبادة الأوثان والذبح للطواغيت فهربنا منه عشية أمس فنمنا فلما انتبهنا خرجت لأشتري (٤) له طعاما وأتجسس الأخبار فإذا أنا كما ترون ، فانطلقوا معي إلى الكهف [الذي بجبل بنجلوس](٥) أريكم أصحابي ، فلما سمع أريوس ما يقول تمليخا ، قال : يا قوم لعل هذه آية من آيات الله جعلها الله لكم على يدي هذا الفتى ، فانطلقوا بنا معه يرنا أصحابه ، فانطلق معه أريوس وطنطيوس وانطلق معهم أهل المدينة كبيرهم وصغيرهم نحو أصحاب الكهف لينظروا إليهم.
ولما رأى الفتية أصحاب الكهف تمليخا قد احتبس عنهم بطعامهم وشرابهم عن القدر الذي كان يأتي به ظنوا أنه قد أخذ فذهب به إلى ملكهم دقيانوس ، فبينما هم يظنون ذلك ويتخوّفونه إذ سمعوا الأصوات وجلب الخيل مصعدة نحوهم ، فظنوا أنهم رسل الجبار دقيانوس بعث إليهم ليؤتى بهم (٦) ، فقاموا إلى الصلاة وسلم بعضهم على بعض وأوصى بعضهم بعضا وقالوا انطلقوا بنا نأت أخانا تمليخا فإنه الآن بين يدي الجبار ينتظر متى نأتيه ، فبينما هم يقولون ذلك وهم جلوس بين ظهراني الكهف لم يروا إلا أريوس وأصحابه وقوفا على باب الكهف. وسبقهم تمليخا فدخل عليهم وهو يبكي فلما رأوه يبكي بكوا معه ، ثم سألوه عن شأنه فأخبرهم ، وقصّ عليهم القصة والنبأ كله ، فعرفوا عند ذلك أنهم كانوا نياما بأمر الله ذلك الزمان كله بأمر الله ، وإنما أوقظوا ليكونوا آية للناس وتصديقا للبعث وليعلموا أن الساعة آتية لا ريب فيها.
ثم دخل على أثر تمليخا أريوس فرأى تابوتا من نحاس مختوما بخاتم من فضة ، فقام بباب الكهف ثم دعا رجالا من عظماء أهل المدينة ففتح التابوت عندهم فوجدوا فيه لوحين من رصاص مكتوبا فيهما إن مكسلمينا ومخشلمينا وتمليخا ومرطونس وكشطونس ويبرونس وديموس وبطيوس [والكلب اسمه قطمير](٧) كانوا فتية هربوا من ملكهم دقيانوس الجبار مخافة أن يفتنهم عن دينهم فدخلوا هذا الكهف ، فلما أخبر بمكانهم أمر بالكهف فسد عليهم بالحجارة وأنا كتبنا شأنهم وخبرهم ليعلمه من بعدهم إن عثر عليهم فلما قرءوه عجبوا ، وحمدوا الله الذي أراهم آية البعث فيهم ، ثم رفعوا أصواتهم بحمد الله وتسبيحه ثم دخلوا على الفتية إلى الكهف فوجدوهم جلوسا بين ظهرانيهم مشرقة وجوههم لم تبل ثيابهم فخر
__________________
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) في المطبوع «تعرف».
(٤) زيد في المطبوع و ـ ط.
(٥) زيادة عن المخطوط.
(٦) في المطبوع «لهم».
(٧) زيد في المطبوع.