(وَإِنَّا لَجاعِلُونَ ما عَلَيْها صَعِيداً جُرُزاً (٨) أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً (٩) إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقالُوا رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَداً (١٠))
(وَإِنَّا لَجاعِلُونَ ما عَلَيْها صَعِيداً جُرُزاً) (٨) ، فالصعيد وجه الأرض. وقيل : هو التراب ، (جُرُزاً) يابسا أملس لا ينبت (١) شيئا يقال : جرزت الأرض إذا أكل نباتها.
قوله تعالى : (أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً) (٩) ، يعني أظننت يا محمد أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا أي هم عجب من آياتنا. وقيل : معناه إنهم ليسوا بأعجب من آياتنا فإن ما خلقت من السموات والأرض وما فيهن من العجائب أعجب منهم ، والكهف : هو الغار في الجبل.
واختلفوا في الرقيم ، قال سعيد بن جبير : هو لوح كتب فيه أسماء أصحاب الكهف وقصصهم وهذا أظهر الأقاويل ، ثم وضعوه على باب الكهف وكان اللوح من رصاص ، وقيل : من حجارة ، فعلى هذا يكون الرقيم بمعنى المرقوم ، أي : المكتوب ، والرقم : الكتابة.
وحكي عن ابن عباس أنه قال : هو اسم للوادي الذي فيه أصحاب الكهف ، وعلى هذا هو من رقمة الوادي وهو جانبه.
وقال كعب الأحبار : هو اسم للقرية التي خرج منها أصحاب الكهف. وقيل : اسم للجبل الذي فيه الكهف ، ثم ذكر الله قصة أصحاب الكهف.
فقال : (إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ) ، أي صاروا إليه ، واختلفوا في سبب مصيرهم إلى الكهف ، فقال محمد بن إسحاق بن يسار : مرج أهل الإنجيل وعظمت فيهم الخطايا وطغت فيهم الملوك حتى عبدوا الأصنام وذبحوا للطواغيت ، وفيهم بقايا على دين المسيح متمسكين بعبادة الله وتوحيده ، فكان ممن فعل ذلك من ملوكهم ملك من الروم يقال له دقيانوس عبد الأصنام وذبح للطواغيت ، وقتل من خالفه ، وكان ينزل قرى الروم ولا يترك في قرية نزلها أحدا إلا فتنه حتى يعبد الأصنام ويذبح للطواغيت أو قتله حتى نزل مدينة أصحاب الكهف وهي أقسوس فلما نزلها كبر على أهل الإيمان فاستخفوا منه وهربوا في كل وجه ، وكان دقيانوس حين قدمها أمر أن يتبع أهل الإيمان فيجمعوا له واتخذ شرطا من الكفار من أهلها يتبعون أهل الإيمان في أماكنهم فيخرجونهم إلى دقيانوس ، فيخيرهم بين القتل وبين عبادة الأوثان والذبح للطواغيت ، فمنهم من يرغب في الحياة [فيعبدهم](٢) ومنهم من يأبى أن يعبد غير الله فيقتل.
فلما رأى ذلك أهل الشدة في الإيمان بالله جعلوا يسلمون (٣) أنفسهم للعذاب والقتل ، فيقتلون ويقطعون ثم يربط ما قطع من أجسادهم على سور المدينة من نواحيها وعلى كل باب من أبوابها حتى عظمت الفتنة ، فلما رأى ذلك الفتية حزنوا حزنا شديدا فقاموا واشتغلوا بالصلاة والصيام والصدقة والتسبيح والدعاء.
__________________
(١) تصحف في المطبوع «يبيت».
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) في المخطوط «يسلموا».