لأمر الله حتى يحكم الله بيني وبينكم» فقالوا : يا محمد إن كنت غير قابل منا ما عرضنا عليك فقد علمت أنه ليس أحد أضيق منّا بلادا ولا أشد منّا عيشا فسل لنا ربك الذي بعثك فليسير عنا هذه الجبال التي قد ضيقت علينا ، ويبسط لنا بلادنا ويفجّر فيها أنهارا كأنهار الشام والعراق ، وليبعث لنا من مضى من آبائنا وليكن فيهم (١) قصي بن كلاب فإنه كان شيخا صدوقا فنسألهم عمّا تقول أحق هو أم باطل ، فإن صدقوك صدقناك ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «ما بهذا بعثت فقد بلغتكم ما أرسلت به ، فإن تقبلوه مني فهو حظكم في الدنيا والآخرة ، وإن تردوه [عليّ](٢) أصبر لأمر الله» ، قالوا : فإن لم تفعل هذا فسل ربك أن يبعث لنا ملكا يصدقك واسأله أن يجعل لك جنانا وقصورا وكنوزا من ذهب وفضة يغنيك بها عمّا نراك ، فإنك تقوم بالأسواق وتلتمس المعاش كما نلتمسه ، فقال : «ما بعثت بهذا ولكن الله بعثني بشيرا ونذيرا» ، قالوا : فأسقط السماء كما زعمت ، إن ربك لو شاء فعل ، فقال : «ذلك إلى الله إن شاء فعل ذلك بكم فعله» ، وقال قائل منهم : لن نؤمن لك حتى تأتينا بالله والملائكة قبيلا ، فلما قالوا ذلك قام رسول الله صلىاللهعليهوسلم وقام معه عبد الله بن أبي أمية وهو ابن عمته عاتكة بنت عبد المطلب ، فقال : يا محمد عرض عليك قومك ما عرضوا عليك فلم تقبله منهم ثم سألوك لأنفسهم أمورا يعرفون بها منزلتك من الله تعالى فلم تفعل ، ثم سألوك أن تعجل ما تخوفهم به من العذاب ، فلم تفعل ، فو الله لا أؤمن لك أبدا حتى تتخذ إلى السماء سلما ترقى فيها وأنا انظر حتى تأتيها وتأتي بنسخة منشورة معك ونفر من الملائكة يشهدون لك بما تقول ، وأيم الله لو فعلت ذلك لظننت أن لا أصدقك ، فانصرف رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى أهله حزينا لما رأى من مباعدتهم ، فأنزل الله تعالى : (وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ) يعني : أرض مكة (يَنْبُوعاً) أي : عيونا.
(أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ) ، بستان (مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ خِلالَها تَفْجِيراً) ، تشقيقا.
(أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً) ، قرأ نافع وابن عامر وعاصم بفتح السين ، أي ؛ قطعا وهي جمع كسفة ، وهي القطعة والجانب مثل كسرة وكسر ، وقرأ الآخرون بسكون السين على التوحيد ، وجمعه أكساف وكسوف ، أي : تسقطها طبقا واحدا. وقيل : أراد جانبها علينا. وقيل : معناه أيضا القطع ، وهي جمع التكسير مثل سدرة وسدر في الشعراء [٨٧] وسبأ [٩] «كسفا» بالفتح ، حفص ، وفي الروم [٤٨] ساكنة أبو جعفر ، وابن عامر. (أَوْ تَأْتِيَ بِاللهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً) ، قال ابن عباس : كفيلا أي يكفلون بما تقول. وقال الضحاك : ضامنا. وقال مجاهد : هو جمع القبيلة أي : بأصناف الملائكة قبيلة قبيلة. وقال قتادة : عيانا ، أي : [نراهم مقابلة](٣). وقال الفراء : هو من قول العرب لقيت فلانا قبلا (٤) ، وقبيلا أي : معاينة.
(أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ) أي : من ذهب ، وأصله الزينة ، (أَوْ تَرْقى) ، تصعد ، (فِي السَّماءِ) ، هذا قول عبد الله بن أبي أمية ، (وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ) ، لصعودك ، (حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ) ، أمرنا فيه باتباعك ، (قُلْ سُبْحانَ رَبِّي) ، وقرأ ابن كثير وابن عامر «قال» يعني محمدا ، وقرأ الآخرون على الأمر ، أي : قل يا محمد ، (هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولاً) ، أمره بتنزيهه وتمجيده ، على معنى أنه لو أراد أن ينزل ما
__________________
(١) في المطبوع «منهم».
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) العبارة في المطبوع و ـ ط «تراهم القابلة أي معاينة» والمثبت عن المخطوط ، ويدل عليه عبارة «الوسيط» ٣ / ١٢٧.
(٤) في المطبوع و ـ ط «قبيلا».