لكل وجه سبعون ألف لسان يسبح الله تعالى بكلها. وقال مجاهد : خلق على صور بني آدم لهم أيد وأرجل ورءوس وليسوا بملائكة ولا ناس يأكلون الطعام ، وقال سعيد بن جبير : لم يخلق الله تعالى خلقا أعظم من الروح غير العرش ، لو شاء أن يبتلع السموات السبع والأرضين السبع ومن فيها بلقمة واحدة لفعل ، صورة خلقه على صورة خلق الملائكة وصورة وجهه على صورة الآدميين ، يقوم يوم القيامة عن يمين العرش وهو أقرب الخلق إلى الله عزوجل اليوم عند الحجب السبعين ، وأقرب إلى الله يوم القيامة وهو ممن يشفع لأهل التوحيد ، ولو لا أن بينه وبين الملائكة سترا من نور لاحتراق أهل السموات من نوره. وقيل : الروح هو القرآن. وقيل : المراد منه عيسى عليهالسلام ، فإنه روح الله وكلمته ، ومعناه أنه ليس كما يقوله اليهود ولا كما يقوله النصارى ، وقال قوم : هو الروح المركب في الخلق الذي يحيى (١) به الإنسان ، وهو الأصح. وتكلم فيه قوم فقال بعضهم : هو الدم ألا ترى أن الحيوان إذا مات لا يفوت منه شيء إلا الدم. [وقال قوم : هو نفس الحيوان بدليل أنه يموت باحتباس النفس](٢). وقال قوم : هو عرض. وقال قوم : هو جسم لطيف. وقال بعضهم : الروح معنى اجتمع فيه النور والطيب والعلو والعلم والبقاء ، ألا ترى أنه إذا كان موجودا يكون الإنسان موصوفا بجميع هذه الصفات ، فإذا خرج ذهب الكل ، وأولى الأقاويل : أن يوكل علمه إلى الله عزوجل ، وهو قول أهل السنة. قال عبد الله بن بريدة : إن الله لم يطلع على الروح ملكا مقربا ولا نبيا مرسلا. وقوله عزوجل : (قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) قيل : من علم ربي ، (وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً) أي : في جنب علم الله قيل : هذا خطاب للرسول صلىاللهعليهوسلم. وقيل : خطاب لليهود لأنهم كانوا يقولون أوتينا التوراة وفيها العلم الكثير. وقيل : كان النبي صلىاللهعليهوسلم يعلم معنى الروح ولكن لم يخبر به أحدا لأن ترك إخباره به كان علما لنبوته. والأول أصح لأن الله عزوجل استأثر بعلمه.
قوله تعالى : (وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) ، [يعني القرآن ، معناه : إنا كما منعنا علم الروح عنك وعن غيرك ، لو شئنا لنذهبنّ بالذي أوحينا إليك يعني القرآن](٣) ، (ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنا وَكِيلاً) ، أي : من يتوكل برد القرآن إليك.
(إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ) ، هذا استثناء منقطع معناه : ولكن لا نشاء ذلك رحمة من ربك. (إِنَّ فَضْلَهُ كانَ عَلَيْكَ كَبِيراً) ، فإن قيل كيف يذهب القرآن وهو كلام الله عزوجل؟ قيل : المراد منه محوه من المصاحف وإذهاب ما في الصدور. وقال عبد الله بن مسعود : اقرءوا القرآن قبل أن يرفع فإنه لا تقوم الساعة حتى يرفع. قيل هذه المصاحف ترفع فكيف بما في صدور الناس؟ قال : يسري عليه ليلا فيرفع ما في صدورهم فيصبحون لا يحفظون [منه](٤) شيئا ولا يجدون في المصاحف شيئا ، ثم يفيضون في الشعر ، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : لا تقوم الساعة حتى يرجع القرآن من حيث نزل ، له دوي حول العرش كدوي النحل ، [فيقول الرب ما لك وهو أعلم]؟ (٥) فيقول : يا رب أتلى ولا يعمل بي.
قوله جلّ وعلا : (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ) ، لا يقدرون على ذلك ، (وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) ، عونا ومظاهرا ، فنزلت حين قال الكفار : لو نشاء
__________________
(١) في المطبوع «يحيل».
(٢) زيد في المطبوع و ـ ط.
(٣) سقط من المخطوط.
(٤) زيادة عن المخطوط.
(٥) سقط من المخطوط.