قوله عزوجل : (وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ) ، روي عن ابن عباس أنه قال : هو أنهم يأكلون بالأيدي وغير الآدمي يأكل بفيه من الأرض. وروي عنه أنه قال : بالعقل [الذي يميز به بين الحسن والقبح](١). وقال الضحاك : بالنطق. وقال عطاء : بتعديل القامة وامتدادها ، والدواب منكبة على وجوهها. وقيل : بحسن الصورة. وقيل : الرجال باللحى والنساء بالذوائب.
وقيل : بأن سخر لهم سائر الأشياء. وقيل : بأن منهم خير أمة أخرجت للناس. (وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) ، أي : حملناهم في البر على الدواب وفي البحر على السفن ، (وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ) ، يعني : لذيذ الطعام والشراب (٢).
قال مقاتل : السمن والزبد والتمر والحلوى ، وجعل رزق غيرهم ما لا يخفى [عليكم من التبن والعظام وغيرها](٣) (وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلاً) ، وظاهر الآية أنه فضلهم على كثير من خلقه لا على الكل. وقال قوم : فضّلوا على جميع الخلق إلا على الملائكة. وقال الكلبي : فضلوا على الخلائق كلهم إلا على طائفة من الملائكة جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت ، وأشباههم.
وفي تفضيل الملائكة على البشر اختلاف ، فقال قوم : فضلوا على جميع الخلق وعلى الملائكة كلهم ، وقد يوضع الأكثر موضع الكل كما قال تعالى : (هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ) (٢٢١) [الشعراء : ٢٢١] ، إلى قوله تعالى : (وَأَكْثَرُهُمْ كاذِبُونَ) [الشعراء : ٢٢٣] أي : كلهم.
[١٣٠٧] وفي الحديث عن جابر يرفعه قال : «لما خلق الله آدم وذريته قالت الملائكة : يا رب خلقتهم يأكلون ويشربون وينكحون فاجعل لهم الدنيا ولنا الآخرة ، فقال تعالى : «لا أجعل من خلقته بيدي ونفخت فيه من روحي كمن قلت له : كن فكان». والأولى أن يقال : عوام المؤمنين أفضل من عوام الملائكة ، وخواص المؤمنين أفضل من خواص الملائكة. قال الله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ) (٧) [البينة : ٧] ، وروي عن أبي هريرة [رضي الله عنه](٤) أنه قال : المؤمن من أفضل وأكرم على الله من الملائكة الذين عنده.
قوله تعالى : (يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ) ، قال مجاهد وقتادة : بنبيهم. وقال : أبو صالح والضحاك : بكتابهم الذي أنزل عليهم. وقال الحسن وأبو العالية : بأعمالهم. وقال قتادة أيضا : بكتابهم الذي فيه أعمالهم ، بدليل سياق الآية ، (فَمَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ) ، ويسمى الكتاب إماما كما قال عزوجل : (وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ) [يس : ١٢]. وعن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما : بإمام زمانهم (٥) الذي دعاهم في الدنيا إلى ضلالة أو هدى ، قال الله تعالى : (وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً
__________________
[١٣٠٧] ـ ضعيف جدا. أخرجه البيهقي في «الصفات» ٢ / ٤٦ و «الشعب» ١٤٩ من حديث جابر ، وإسناده ضعيف ، فيه عبد ربه بن صالح ، ولم أجد له ترجمة ، وقال البيهقي : في ثبوته نظر ، واستغربه ابن كثير ٣ / ٦٨ جدا ، وهو خبر منكر ، شبه موضوع.
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) في المطبوع «المطاعم والمشارب».
(٣) زيادة عن القرطبي ١٠ / ٢٩٥ وبها يتضح المعنى ، وقد نسبه لمقاتل أيضا.
(٤) زيادة عن المخطوط.
(٥) في المخطوط «زمامهم».