واختلفوا في هذا الإسراف الذي منع منه ولي القتيل ، فقال ابن عباس وأكثر المفسرين : معناه [و] لا يقتل غير القاتل وذلك أنهم كانوا في الجاهلية إذا قتل منهم قتيل لا يرضون بقتل قاتله حتى يقتل أشرف منه.
وقال سعيد بن جبير : إذا كان القاتل واحدا فلا يقتل جماعة بدل واحد ، وكان أهل الجاهلية إذا كان المقتول شريفا لا يرضون بقتل القاتل وحده حتى يقتلوا معه جماعة من أقربائه. وقال قتادة : معناه لا يمثل بالقاتل.
(إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً) ، فالهاء راجعة إلى المقتول في قوله : (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً) يعني : أن المقتول منصور في الدنيا بإيجاب القود على قاتله ، وفي الآخرة بتكفير خطاياه وإيجاب النار لقاتله ، هذا قول مجاهد ، وقال قتادة : الهاء راجعة إلى ولي المقتول معناه أنه منصور على القاتل باستيفاء القصاص منه أو الدية.
وقيل في قوله : (فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ) أنه أراد به القاتل المعتدي ، يقول : لا يعتدي بالقتل بغير الحق فإنه إن فعل ذلك فولي المقتول منصور عليه باستيفاء القصاص منه.
(وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلاً (٣٤) وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً (٣٥))
(وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ) ، بالإتيان بما أمر الله به والانتهاء عما نهى الله عنه.
وقيل : أراد بالعهد ما يلتزمه الإنسان على نفسه ، (إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلاً) ، وقال السدي : كان مطلوبا.
وقيل : العهد يسأل عن صاحب العهد ، فيقال : فيما نقضت ، كالموءودة تسأل فيم قتلت.
(وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ) ، قرأ حمزة والكسائي وحفص (بِالْقِسْطاسِ) بكسر القاف والباقون بالضم (١) ، وهما لغتان وهو الميزان صغيرا كان أو كبيرا أي : بميزان العدل. وقال الحسن : هو القبان. قال مجاهد : هو رومي.
وقال غيره : هو عربي مأخوذ من القسط وهو العدل ، أي : زنوا بالعدل. (الْمُسْتَقِيمِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) ، أي : عاقبة.
(وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً (٣٦) وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولاً (٣٧) كُلُّ ذلِكَ كانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً (٣٨))
(وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) ، قال قتادة : لا تقل رأيت ولم تر (٢) وسمعت ولم تسمع (٣) وعلمت ولم تعلم (٤). وقال مجاهد : لا ترم أحدا بما ليس لك به علم. قال القتيبي : لا تتبعه بالحدس والظن. وهو
__________________
(١) في المطبوع «بضمة».
(٢) في المطبوع «تره».
(٣) في المطبوع «تسمعه».
(٤) في المطبوع «تعلمه» والمثبت عن المخطوط والطبري ٢٢٣٠٩.