(وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ).
يعني : ولا تمسك يدك عن النفقة في الخير (١) كالمغلولة يده لا يقدر على مدها ، (وَلا تَبْسُطْها) ، بالعطاء ، (كُلَّ الْبَسْطِ) ، فتعطي جميع ما عندك ، (فَتَقْعُدَ مَلُوماً) ، يلومك سائلوك بالإمساك إذا لم تعطهم ، والملوم الذي أتى بما يلوم نفسه أو يلومه (٢) غيره ، (مَحْسُوراً) منقطعا لا شيء عندك تنفقه. يقال : حسرته بالمسألة إذا ألحفت عليه ، ودابة حسيرة إذا كانت كالة رازحة. وقال قتادة (مَحْسُوراً) نادما على ما فرط منك.
(إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً (٣٠) وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً كَبِيراً (٣١) وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَساءَ سَبِيلاً (٣٢) وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً (٣٣))
(إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ) ، يوسع (الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ) ، أي : يقتر ويضيق ، (إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً).
قوله تعالى : (وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ) ، فقر ، (نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ) ، وذلك أن أهل الجاهلية كانوا يئدون بناتهم خشية الفاقة فنهوا عنه ، وأخبروا أن رزقهم ورزق أولادهم على الله تعالى ، (إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً كَبِيراً) ، قرأ ابن عامر (٣) وأبو جعفر (خِطْأً) بفتح الخاء والطاء مقصورا. وقرأ ابن كثير بكسر الخاء ممدودا وقرأ الآخرون بكسر الخاء وجزم الطاء ومعنى الكل واحد ، أي : إثما كبيرا.
(وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِ) ، وحقها ما روينا :
[١٢٩٨] أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «لا يحلّ دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث رجل كفر بعد إيمانه أو زنى بعد إحصانه أو قتل نفسا بغير نفس فيقتل بها».
(وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً) ، أي : قوة وولاية على القاتل بالقتل ، قاله مجاهد ، وقال الضحاك : سلطانه هو أنه يتخير فإن شاء استقاد منه وإن شاء أخذ الدية ، وإن شاء عفا عنه. (فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ) ، قرأ حمزة والكسائي : فلا تسرف بالتاء يخاطب ولي القتيل ، وقرأ الآخرون بالياء على الغائب أي : لا يسرف الولي في القتل.
__________________
[١٢٩٨] ـ صحيح. أخرجه أبو داود ٢٥٠٢ والترمذي ٢١٥٨ وابن ماجه ٢٥٣٣ وأحمد ١ / ٦١ و ٦٢ و ٦٥ و ٧٠ والطيالسي ٧٢ والشافعي ٢ / ٩٦ والدارمي ٢ / ١٧١ وابن الجارود ٨٣٦ والحاكم ٤ / ٣٥٠ والطحاوي في «المشكل» ١٨٠٢ والبيهقي ٨ / ١٨ ـ ١٩ والمصنف في «شرح السنة» ٢٥١٢ من طرق حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد عن أبي أمامة بن سهل عن عثمان بن عفان رضي الله عنه. وإسناده صحيح.
ـ وصححه الحاكم على شرطهما ، ووافقه الذهبي ، وقال الترمذي : حديث حسن.
ـ وله شواهد في الصحيح.
(١) في المطبوع «الحق».
(٢) في المطبوع «يلوم».
(٣) تصحف في المخطوم «عاصم».