نفع أو دفع ضر ، (إِلَّا كَباسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْماءِ لِيَبْلُغَ فاهُ وَما هُوَ بِبالِغِهِ) ، أي : إلا كباسط كفيه ليقبض على الماء ، والقابض على الماء لا يكون في يده شيء ولا يبلغ إلى فيه منه شيء ، كذلك الذي يدعو الأصنام وهي لا تضر ولا تنفع لا يكون بيده شيء. وقيل : معناه كالرجل [العطشان الذي يريد الماء من بعيد فهو يشير بكفه إلى الماء ويدعوه بلسانه فلا يأتيه أبدا فهذا معنى قول مجاهد ومثله عن علي وعطاء](١) كالعطشان (٢) الجالس على شفير البئر يمد يده إلى البئر فلا يبلغ قعر البئر إلى الماء ولا يرتفع إليه الماء فلا ينفعه بسط الكف إلى الماء ودعاؤه له ، ولا هو يبلغ فاه ، كذلك الذين يدعون الأصنام لا ينفعهم نداؤها دعاؤها ، وهي لا تقدر على شيء.
وعن ابن عباس : كالعطشان إذا بسط كفيه إلى الماء لا ينفعه ذلك ما لم يغرف بهما الماء ولا يبلغ الماء فاه ما دام باسطا كفيه ، مثل ضربه الله لخيبة الكفار. (وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ) ، أصنامهم (٣) ، (إِلَّا فِي ضَلالٍ) ، [يضل عنهم إذا احتاجوا إليه كما قال : (وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ) [الأنعام : ٢٤] ، وقال الضحاك عن ابن عباس وما دعاء الكافرين ربهم إلّا في ضلال](٤) لأن أصواتهم محجوبة عن الله تعالى.
(وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً) ، يعني : الملائكة والمؤمنين ، (وَكَرْهاً) ، يعني : المنافقين والكافرين الذين أكرهوا على السجود بالسيف. (وَظِلالُهُمْ) ، يعني : ظلال الساجدين طوعا وكرها تسجد لله عزوجل طوعا. قال مجاهد : ظل المؤمن يسجد طوعا وهو طائع ، وظل الكافر يسجد طوعا وهو كاره. (بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ) ، يعني إذا سجد بالغدو والعشي يسجد معه ظله ، والآصال : جمع الأصل ، والأصل جمع الأصيل وهو ما بين العصر إلى غروب الشمس. وقيل : ظلالهم أي : أشخاصهم بالغدو والآصال بالبكر والعشايا. وقيل : سجود الظل تذليله لما أريد له.
قوله تعالى : (قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ، أي : خالقهما ومدبرهما فسيقولون الله ، لأنهم (٥) يقرون بأن الله خالقهم وخالق السموات والأرض فإذا أجابوك فقل أنت أيضا يا محمد (الله).
وروي أنه لما قال هذا للمشركين عطفوا عليه فقالوا : أجب أنت ، فأمره الله عزوجل فقال [له](٦) ف (قُلْ)(٧) (اللهُ) ، ثم قال الله لهم إلزاما للحجة : (قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ) ، معناه : إنكم مع إقراركم بأن الله خالق السموات والأرض اتخذتم من دونه أولياء فعبدتموها من دون الله ، يعني : الأصنام ، وهم (لا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً وَلا ضَرًّا) ، فكيف يملكون لكم؟ ثم ضرب لهم مثلا فقال : (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ) ، [كذلك لا يستوي الكافر والمؤمن](٨).
(أَمْ هَلْ تَسْتَوِي) ، قرأ حمزة والكسائي وأبو بكر (يَسْتَوِي) بالياء ، وقرأ الآخرون بالتاء لأنه لا حائل بين الفعل و [الاسم](٩) المؤنث. (الظُّلُماتُ وَالنُّورُ) ، أي : كما لا يستوي الظلمات والنور لا يستوي الكفر والإيمان. (أَمْ جَعَلُوا) ، أي : جعلوا ، (لِلَّهِ شُرَكاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ) ، أي : اشتبه ما خلقوه بما خلقه الله تعالى فلا يدرون ما خلق الله وما خلق آلهتهم (قُلِ اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْواحِدُ الْقَهَّارُ) ، ثم ضرب الله تعالى مثلين للحق والباطل :
__________________
(١) زيادة عن المخطوط و ـ ط.
(٢) في المطبوع «العطشان».
(٣) في المخطوط «ربهم».
(٤) زيد في المطبوع و ـ ط.
(٥) في المطبوع «إنهم».
(٦) زيادة عن المخطوط.
(٧) زيد في المطبوع «أنت يا محمد».
(٨) زيد في المطبوع و ـ ط.
(٩) زيادة عن المخطوط و ـ ط.