من بعث الله فيهم من أنبيائهم زكريا ويحيى وعيسى [عليهمالسلام](١) ، وكانوا من بيت آل داود ، فمات زكريا وقيل (٢) قتل زكريا (٣) فلما رفع الله عيسى من بين أظهرهم وقتلوا يحيى بعث الله عليهم ملكا من ملوك بابل يقال له خردوش ، فسار إليهم بأهل بابل حتى دخل عليهم الشام فلما ظهر عليهم أمر رأسا من رءوس جنوده يدعى بيورزاذان صاحب الفيل ، فقال : إني كنت حلفت بإلهي لئن أنا ظفرت على أهل بيت المقدس لأقتلنّهم حتى تسيل دماؤهم في وسط عسكري ، إلا أني لا أجد أحدا أقتله ، فأمره أن يقتلهم حتى بلغ ذلك منهم ببيورزاذان ، ودخل بيت المقدس فقام في البقعة التي كانوا يقرّبون فيها قربانهم فوجد فيها دما يغلي فسألهم عنه ، فقال : يا بني إسرائيل ما شأن هذا الدم يغلي؟ أخبروني خبره ، قالوا : هذا دم قربان لنا قربناه فلم يقبل منا فلذلك يغلي ، ولقد قربناه منذ ثمانمائة سنة والقربان يتقبل منا إلا هذا ، فقال : ما صدقتموني ، فقالوا : لو كان كأول زماننا لتقبل منا ولكن قد انقطع منا الملك والنبوة والوحي فلذلك لم يقبل منا ، فذبح منهم بيورزاذان على ذلك الدم سبعمائة وسبعين رجلا من رءوسهم ، فلم يهدأ [غليانه](٤) فأمر [فأتي](٥) بسبعمائة غلام من غلمانهم فذبحهم على الدم فلم يهدأ فأمر بسبعة آلاف من شيبهم وأزواجهم فذبحهم على الدم ، فلم يهدأ فلما رأى بيورزاذان الدم لا يهدأ قال لهم : يا بني إسرائيل ويلكم اصدقوني واصبروا على أمر ربكم فقد طال ما ملكتم في الأرض تفعلون فيها ما شئتم قبل أن لا أترك منكم نافخ نار أنثى ولا ذكر إلا قتلته ، فلما رأوا الجهد منه وشدة القتل صدقوا الخبر ، فقالوا : إن هذا الدم دم نبي كان ينهانا عن أمور كثيرة من سخط الله فلو أنا أطعناه فيها لكان أرشد لنا وكان يخبرنا بأمركم فلم نصدقه ، فقتلناه فهذا دمه ، فقال لهم بيورزاذان : ما كان اسمه؟ قالوا : يحيى بن زكريا ، قال الآن صدقتموني ، بمثل هذا انتقم ربّكم منكم ، فلما رأى بيورزاذان أنهم صدقوه خرّ ساجدا وقال لمن حوله : أغلقوا أبواب المدينة وأخرجوا من كان هاهنا من جيش خردوش ، وخلا في بني إسرائيل [ثم] قال : يا يحيى بن زكريا قد علم ربّي وربّك ما قد أصاب قومك من أجلك وما قتل منهم فاهدأ بإذن ربك قبل أن لا أبقي من قومك أحدا فهدا الدم بإذن الله ، ورفع بيورزاذان عنهم القتل وقال : آمنت بالذي آمنت به بنو إسرائيل وأيقنت أنه لا رب غيره ، وقال لبني إسرائيل : إنّ خردوش أمرني أن أقتل منكم حتى تسيل دماؤكم وسط عسكره ، وإني لست أستطيع أن أعصيه ، فقالوا له افعل ما أمرت به فأمرهم فحفروا خندقا وأمر بأموالهم من الخيل والبغال والحمير والإبل والبقر والغنم فذبحها حتى سال الدم في العسكر وأمر بالقتلى الذين قتلوا قبل ذلك فطرحوا على ما قتل من مواشيهم فلم يظن خردوش إلا أن ما في الخندق [جميعه](٦) من بني إسرائيل ، فلما بلغ الدم عسكره أرسل إلى بيورزاذان أن ارفع عنهم القتل ، ثم انصرف إلى بابل ، وقد أفنى بني إسرائيل أو كاد أن يفنيهم ، وهي الواقعة الأخيرة التي أنزل الله ببني إسرائيل ، وذلك قوله : (لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ) ، فكانت الواقعة الأولى بختنصر وجنوده ، والأخرى خردوش وجنوده ، وكانت أعظم الوقعتين فلم يقم لهم بعد ذلك راية وانتقل الملك بالشام ونواحيها إلى الروم اليونانية
__________________
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) في المخطوط «وقد».
(٣) في المخطوط «يحيى».
(٤) زيادة عن المخطوط.
(٥) زيادة عن المخطوط.
(٦) زيادة عن المخطوط.