إلا أن بقايا بني إسرائيل كثروا ، وكانت لهم الرئاسة ببيت المقدس ونواحيها على غير وجه الملك ، وكانوا في نعمة إلى أن بدلوا وأحدثوا الأحداث فسلط الله عليهم طيطوس بن سبيانوس (١) الرومي ، فأخرب بلادهم وطردهم عنها ونزع الله عنهم الملك والرئاسة وضربت عليهم الذلة فلا يبقى أحد منهم إلا وعليه الصغار والجزية ، وبقي بيت المقدس خرابا إلى أيام (٢) عمر بن الخطاب فعمّره المسلمون بأمره. وقال قتادة : بعث الله عليهم جالوت في الأولى فسبى وقتل وخرّب (ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ) [الإسراء : ٦] يعني في زمان داود ، فإذا جاء وعد الآخرة بعث الله عليهم بختنصر فسبى وخرّب ، ثم قال : (عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ) [الإسراء : ٨] فعاد الله عليهم بالرحمة ثم عاد القوم بشرّ ما بحضرتهم ، فبعث الله عليهم ما شاء من نقمته وعقوبته ، ثم بعث الله عليهم العرب كما قال : (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذابِ) [الأعراف : ١٦٧] ، فهم في العذاب إلى يوم القيامة ، وذكر السدي بإسناده أن رجلا من بني إسرائيل رأى في النوم أن خراب بيت المقدس على يدي غلام يتيم ابن أرملة من أهل بابل ، يدعى بختنصر وكانوا يصدقون فتصدق رؤياهم ، فأقبل ليسأل عنه حتى نزل على أمه وهو يحتطب فجاء وعلى رأسه حزمة حطب فألقاها ثم قعد فكلمه ثم أعطاه ثلاثة دراهم ، فقال : اشتر بهذا طعاما وشرابا ، فاشترى بدرهم لحما وبدرهم خبزا وبدرهم خمرا ، فأكلوا وشربوا وفعل في اليوم الثاني كذلك وفي اليوم الثالث كذلك ، ثم قال : إني أحب أن تكتب لي أمانا إن أنت ملكت يوما في الدهر [وصرت من ملوك الأرض](٣) ، فقال [له] أتسخر مني؟ فقال : إني لا أسخر منك ولكن ما عليك أن تتخذ بها عندي يدا ، فكتب له أمانا وقال : أرأيت إن جئت والناس حولك قد حالوا بيني وبينك ، قال : ترفع صحيفتك على قصبة فأعرفك ، فكتب له وأعطاه ، ثم إن ملك بني إسرائيل كان يكرم يحيى بن زكريا ويدني مجلسه وأنه هوي بنت (٤) امرأته. وقال ابن عباس : ابنة أخته (٥) ، فسأل يحيى بن زكريا عن تزويجها فنهاه عن نكاحها فبلغ ذلك أمها فحقدت (٦) على يحيى بن زكريا وعمدت حين جلس الملك على شرابه فألبستها ثيابا رقاقا حمرا وطيبتها وألبستها الحلّي وأرسلتها إلى الملك وأمرتها أن تسقيه الخمر ، فإن أرادها عن نفسها أبت عليه حتى يعطيها ما سألته ، فإذا أعطاها سألت رأس يحيى بن زكريا أن يؤتى به في طست ففعلت ذلك ، فلما أرادها قالت : لا أفعل حتى تعطيني ما أسألك ، قال : فما تسأليني؟ قالت : رأس يحيى بن زكريا أن يؤتى به في هذا الطست ، فقال : ويحك سليني [شيئا](٧) غير هذا ، فقالت : ما أريد إلا هذا فلما أبت عليه [هاجت شهوته وهو في خمرته](٨) فبعث فأتي برأسه حتى وضع بين يديه والرأس يتكلم ، يقول : ويل لك لا تحل لك ويكرر ذلك ، فلما أصبح إذا دمه يغلي فأمر بتراب فألقي عليه فرقى الدم يعني صعد الدم يغلي ، ويلقي عليه [من] التراب حتى بلغ سور المدينة وهو في ذلك يغلي فبعث صخابين ملك بابل جيشا إليهم وأمر عليهم بختنصر ، فسار بختنصر وأصحابه حتى بلغوا ذلك المكان فلما سمعوا به تحصنوا منه في مدائنهم ، فلما اشتد عليهم المقام أراد الرجوع فخرجت إليه عجوز من عجائز بني إسرائيل ، فقالت : تريد أن ترجع قبل فتح المدينة؟ قال : نعم ، قد طال مقامي وجاع أصحابي ، قالت : أرأيت إن فتحت لك المدينة تعطيني ما أسألك فتقتل من أمرتك بقتله وتكف إذ أمرتك أن تكف؟ قال : نعم ، قالت : إذا أصبحت
__________________
(١) في المطبوع «السطيانوس».
(٢) في المطبوع و ـ ط «خلافة».
(٣) زيادة عن المخطوط.
(٤) في المطبوع «هو ابنة».
(٥) في المطبوع «أخيه».
(٦) في المطبوع «فحدقت».
(٧) زيادة عن المخطوط.
(٨) زيادة عن المخطوط.