أن يصموا بها دون تمييز كلّ سعي ذي غاية ذاتية ، مهما كان. أي أنّهم ، بعبارة أخرى ، يودون أن يجعلوا في مكان هذا التّقسيم الثّنائي تقسيما ثلاثيا ، يصح بمقتضاه أن نجعل بين «الثّواب» و«العقاب» ، مجرد «البراءة» ، وبين اكتساب القيمة ، وفقدانها ـ نضع [اللاقيمةLa non Valeur] ، وبين مستوجب الثّناء ، ومستوجب الذّم مجرد «المشروع» وبين التّكليف ، والتّحريم ـ الإباحة.
هذه التّفرقة ذات الطّابع الثّلاثي لا تمثل جميع نواحي التّشريع القرآني فحسب ، ولكنا نجدها عند الحديث عن النّيّة ، على وجه التّحديد ، معبرا عنها بصورة واضحة في حديث مشهور ، رواه مالك ، والبخاري ، ومسلم ، وجميع المحدثين ، وفي ألفاظ هذا الحديث أنّ واقع تربية الخيل ، والإعتناء بها ينظر إليه تبعا للنوايا ، فهو تارة عمل يثاب عليه ، جدير بالأجر الإلهي ، وأخرى إثمّ ، وثالثة ليس هذا ، ولا ذاك : واقع يثاب عليه ذلك الّذي يمسكها دائما بأمر الله ، وفي سبيل الله ، وواقع آثم لمن يمسكها تظاهرا ، وتفاخرا ، ولمن يتخذ منها أداة عدوان ضد المؤمنين. ولكن ، لننظر كيف يضع النّبي صلىاللهعليهوسلم بين الحالتين حالة أخرى ، لا يطيق أحد أن يأتي بأدق منها : حالة الرّجل الّذي يهتم بالخيل ، من أجل حاجاته الخاصة ، دون أن يغفل واجباته الدّقيقة ، فهذا الرّجل لن يستحق ثوابا ، ولا عقابا ، وإنّما يكون على وجه الدّقة ـ «ناجيا» ، وكلّ ذلك في قوله صلىاللهعليهوسلم : «الخيل لرجل أجر ، ولرجل ستر ، وعلى رجل وزر ..» (١).
__________________
(١) انظر ، الموطأ لمالك : ٢ / ٤٤٤ ح ٩٥٨ ، صحيح البخاري : ٢ / ٨٣٥ ح ٢٢٤٢ ، صحيح مسلم : ٢ / ٦٨١ ، صحيح ابن حبّان : ١٠ / ٥٢٧ ح ٤٦٧٥ ، السّنن الكبرى : ٣ / ٣٦ ح ٤٤٠٣ ، سنن النّسائي (المجتبى) : ٦ / ٢١٦ ح ٣٥٦٣.