إنّ الشّعور الّذي تثيره هذه الطّريقة في التّوجيه ، هو على هذا النّحو شعور بالإرتياح ، وبالقوة البناءة ، فهو جاذبية الحبّ.
ثانيا : موقف التّجاوب عموما لأحكام الشّرع ، ولكنه لا يستبعد إمكان الخطأ.
وهنا لا نعود نشهد منظر عمل صالح يحدث ، ويجب أن نشجعه ، ولسنا كذلك أمام شرّ يهدد ، إنّما نحن في موقع ما قبل العمل ، في ظروف عادية. ولما كنّا نرى أمام الإرادة إمكانتين فإنّ الأمر يصدر في صورة مجردة بعض الشّيء ، أي لا تبالي مطلقا بإختيارنا المقبل.
وليس للقول التّوجيهي إلّا أن يرتدي نفس الطّابع ، أي أنّه لا يكون تحريضا على عمل الخير صراحة ، ولا دفعا عن إتجاهات الشّر ، بل يبقى غامضا ، وكأنّه حالة بين حالتين ، فهي كلتاهما في وقت واحد. ولن نقرأ بعد ما معناه : إنّ الله يرى الخير الّذي تفعلون ، ولن نقرأ كذلك : حاذروا أن تفعلوا الشّر. بل سوف نقرأ : هذا هو الواجب ، وسيرى الله ما تفعلون ، في مثل قوله تعالى : (تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها ما كَسَبَتْ وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ وَلا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ) (١).
وهكذا تتغير نغمة الخطاب كلّه ، فوجهه الأليف الباسم يصبح ذا رزانة ، ولكنه ليس قاسيا ، ولما كان لإحتمالي القرار ، حظ متساو في الظّاهر ، فإنّهما قد طبعا
__________________
ـ ١٤٧ ، سنن التّرمذي : ٥ / ٦ ح ٢٦١٠ ، مجمع الزّوائد : ١ / ٣٨ ، وسائل الشّيعة : ١٥ / ٢٢ ، سنن البيهقي الكبرى : ١٠ / ٢٠٣ ، نضد القواعد الفقهية : ١٧١ ، سنن أبي داود : ٤ / ٢٢٣ ح ٤٦٩٥ ، مسند أحمد : ١ / ٢٧ ح ١٨٤ ، زبدة البيان : ٣٢٢.
(١) البقرة : ١٣٤ ، و ٢٣٣ و ٢٣٤ و ٢٣٧ و ٢٤٤ ، النّساء : ١ و ٣٣ و ٥٨ ، المائدة : ٧ و ٨ ، الأنفال : ٣٩ و ٧٢ ، التّوبة : ١٦ و ١٠٥ ، هود : ١٢٣ ، النّور : ٢٨ و ٢٩ و ٣٠ و ٦٠ ، الفرقان : ٢٠ ، العنكبوت : ٤٥ ، الأحزاب : ٣٤ و ٥٤ و ٥٥ ، المجادلة : ٣ و ١٣ ، الحشر : ١٨ ، المنافقون : ١١ (ـ ٣ آ و ٢٥ ب).