النّاس فإنّه يظل غريبا عنهم ، ولا يعترفون به. مثل هذا القانون يستطيع أن «يرغمهم» ؛ ولكنه لا يستطيع أن «يلزمهم» أخلاقيا. ومن ناحية أخرى إذا لم تكن موافقتنا تقوم أساسا على «الحقيقة في ذاتها» ، فإنّ القانون الّذي نخضع له لا يكون إلا حالة «شخصية» ، أو «نسبية» ؛ وكأننا بذلك نجري وراء ظل القانون ، أو نستسلم لعبادة وثن.
وهكذا نرى أنّ «الواجب» يقوم على فكرة «القيمة» الّتي نستمدها من «مثل أعلى» ؛ وأنّ «العقل» و«الوحي» مظهران لتلك الحقيقة الأساسية الّتي تعتبر المصدر الحقيقي «للإلزام الخلقي».
ننتقل الآن إلى فكرة رئيسية أخرى ألح عليها المؤلف ، وأبرزها بكل وضوح في ثنايا مؤلفه وهي : أنّه لا مكان للأخلاق بدون عقيدة. والعقيدة هنا تتصل بالأخلاق ذاتها ، ومعناها الإيمان بالحقيقة الأخلاقية كحقيقة قائمة بذاتها «تسمو» على الفرد ، «وتفرض» نفسها عليه بغض النّظر عن أهوائه ، ومصالحه ورغباته. غير أنّ موضوع هذه العقيدة يمكن تصوره بطريقتين مختلفتين : فعلى حين أنّ الملحد العقلاني يقف نظره عند فكرة جامدة ، أو عند مفهوم مجرد ، أو عند كيان أخرس لا حياة فيه ـ نجد أنّ المؤمن يتعرف في هذا النّداء الدّاخلي على صوت معبوده ، ويترجم في ثنايا قلبه الرّسالة السّماوية لخالقه. ونجده خلف الفكرة يلمح حقيقة حيّة ومؤثرة ، ويشعر أنّه مرتبط بها ارتباطا عضويا ، ويستمد منها على الدّوام القوة ، والنّور ، ويشعر نحوها بأعمق مشاعر الإحترام ممزوجة بأرق مشاعر الحبّ. هذه الشّعلة العاطفية الّتي تحرك «إيمانه العقلي» ، تغذي في الوقت نفسه «طاقاته الخلاقة». وهو حين يتوقف أو يسقط لا ييأس منه ، أنّه سيعاود الوقوف على قدميه ، ومتابعة المسيرة ، معتمدا على تلك القوة الهائلة الّتي يستمد منها العون. وبذلك يمكن القول إنّ الأخلاق لا تجد مكانا أكثر خصوبة تزدهر فيه من ضمير المؤمن. ويمكن القول ، حقيقة لا مجازا ، إنّ «الواجب