فإذا أخذت المسئولية بهذا المعنى الرّحب ، والأولى ـ فلن تكون سوى سمة من السّمات المميزة الّتي يأخذها الإنسان من جوهرة ذاته.
ولو أننا تتبعنا الأشياء في مجراها العادي (بما في ذلك الإنسان الفيزيقي والنّفسي) لوجدناها في الواقع تؤدي دورها الّذي عينه لها قانون الطّبيعة ، بطريقة قدرية ، وعلى نسق واحد. فليس هنالك أدنى تدخل ممكن لمبادرتها الخاصة ، لا من أجل صيانة النّظام الثّابت ، ولا من أجل تغييره ، أو تعديله في أي صورة ما كان ، وإذن فلا مسئولية مطلقا.
أمّا في النّظام الأخلاقي فالأمر بالعكس ، حيث يواجه الفاعل إمكانات متعددة ، يستطيع أن يختار من بينها واحدة ، توافق هواه ، سواء إحترام القاعدة ، أو إخترمها.
«فالإمكان» و«الضّرورة» هما الصّفتان اللّتان تكوّنان مجالي المسئولية وعدم المسئولية ، كلّ على حدة ، والجانب الأوّل هو الّذي رصد له الإنسان إستعداده.
هذا التّباين الّذي يضع الكائن العاقل ضد الكائنات غير المزودة بالعقل ، من حيث مقدرتها الأخلاقية ـ يبدو لنا أنّ القرآن قد أبرزه في هذه الجملة الإلهية القصيرة : (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً) (١). [لأنّه قد أنتهكها] (٢).
__________________
(١) الأحزاب : ٧٢.
(٢) هذا أحد الوجوه الّتي ردّ إليها أكثر المفسرين معنى النّص ، ولكن الفعل (حمل) مستعمل هنا إستعمالا مزدوجا في القرآن ، فهو أحيانا يعني تحمل التّكليف في مثل قوله : (ما حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ ما حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ ـ