يغير جوهر الأشياء ، فضلا عن واقعها ، إنّه يسجل هذا الواقع ، ثمّ يحكيه ، ويعبر عنه ، ولو كان كلّ ما علم الله أنّه لا يوجد ـ «مستحيلا» لوجب القول ـ لنفس السّبب ـ بأنّ كلّ ما علم الله أنّه يوجد «ضروري». فما ذا بقي في الكون إذن لتتحقق فيه الإرادة الإلهية؟.
وأمّا الإستدلال الثّاني : فهو يقوم كذلك على خلط منطقي بين نوعين من القضايا ، أحدهما قائم بذاته ، والآخر معلق بغيره ؛ فالإيمان وعدم الإيمان ـ قضيتان متناقضتان ، مفترض أنّهما قد استوفتا كلّ الصّفات المطلوبة. ولكن إيمان الفرد ، بأنّه لن يؤمن أبدا ـ حدث واقعي بالنسبة لمن لا يؤمن ، ما دام أنّه يحسه في نفسه ، ويعرفه بالتجربة المباشرة ، والشّخصية.
وحين أخفقت كلّ محاولات الأشاعرة في هذا المجال القرآني ، وجهوا بحوثهم إلى مجال أكثر رحابة ، وأعظم اعتمادا على العقل الخالص ، وها هم أولاء يريدون أن يبرهنوا لنا على أنّ التّكليف بالمحال هو من جانب معين قاعدة عامة ، أكثر من أن يكون قاعدة خاصة في الشّرع الإلهي.
ويقف خصومهم المعتزلة ليدافعوا عن الحرية الإنسانية مقدمين إياها على العمل ، حين يكون لكلّ امرىء أن يجرب قدرته المزدوجة على أن يعمل ، أو يمتنع عن العمل.
ويعترض الأشاعرة على هذا بأنّ القدرة كانت قبل العمل إحتمالا ، والقدرة الفعلية مصاحبة للعمل (١) ، من حيث إنّه لا يمكن أن تمارس هذه القدرة تأثيرها
__________________
(١) قارن هذا بنظرية برجسون عن الحرية ، القائمة على عدم القدرة على التّنبؤ بالعمل ، وعلى ديناميكية الذات الفاعلة.