(فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هارُونَ وَمُوسى (٧٠) قالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنا أَشَدُّ عَذاباً وَأَبْقى) (٧١)
الذي في يمينك فإنه بقدرة (١) ربك يتلقّفها على وحدته وكثرتها (إِنَّما صَنَعُوا كَيْدُ ساحِرٍ) كوفي غير عاصم سحر بمعنى ذي سحر ، أو ذوي سحر ، أو هم لتوغّلهم في السحر كأنهم السّحر ، وكيد بالرفع على القراءتين ، وما موصولة أو مصدرية ، وإنما وحّد ساحر ولم يجمع لأنّ القصد في هذا الكلام إلى معنى الجنسية لا إلى معنى العدد ، فلو جمع لخيّل أنّ المقصود هو العدد ألا ترى إلى قوله (وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ) أي هذا الجنس (حَيْثُ أَتى) أينما كان ، فألقى موسى عصاه فتلقّفت ما صنعوا.
فلعظم ما رأوا من الآية وقعوا إلى السجود ، فذلك قوله :
٧٠ ـ (فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً) قال الأخفش : من سرعة ما سجدوا كأنهم ألقوا ، فما أعجب أمرهم!! قد ألقوا حبالهم وعصيّهم للكفر والجحود ، ثم ألقوا رؤوسهم بعد ساعة للشكر والسجود ، فما أعظم الفرق بين الإلقاءين ، روي أنهم رأوا الجنة ومنازلهم فيها في السجود ، فرفعوا رؤوسهم ثم (قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هارُونَ وَمُوسى) وإنما قدّم هارون هنا وأخّر في «الشعراء» محافظة للفاصلة ولأنّ الواو لا توجب ترتيبا.
٧١ ـ (قالَ آمَنْتُمْ) بغير مد حفص ، وبهمزة ممدودة بصري وشامي وحجازي ، وبهمزتين غيرهم (لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ) أي لموسى ، يقال آمن له وآمن به (إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ) لعظيمكم أي لمعلمكم ، يقول أهل مكة للمعلم أمرني كبيري (فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ) القطع من خلاف أن تقطع اليد اليمنى والرّجل اليسرى ، لأنّ كلّ واحد من العضوين يخالف الآخر بأنّ هذا يد وذاك رجل ، وهذا يمين وذاك شمال ، ومن لابتداء الغاية ، لأن القطع مبتدأ وناشئ من مخالفة العضو العضو (٢) ، ومحلّ الجارّ والمجرور النصب على الحال أي (٣) لأقطّعنها مختلفات ، لأنها إذا خالف بعضها بعضا فقد اتصفت بالاختلاف ، شبّه تمكّن المصلوب في الجذع بتمكّن المظروف في الظرف فلهذا قال (وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ) وخصّ النخل لطول جذوعها (وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنا أَشَدُّ عَذاباً) أنا على ترك إيمانكم
__________________
(١) في (ظ) و (ز) بقدرتنا.
(٢) ليست في (ز).
(٣) في (ز) يعني.